Al-Watan (Saudi)

من رسائلي إلى نورة

-

أتذكر لحظة ولادتك بكل تفاصيلها حتى اليوم، وأتذكر أني نجحت بـ45 كيلو وزن وعدة أكياس دم وأشهر في المستشفى من إنجاب طفلة جميلة سليمة، كنت إنجازا حقيقيا وسط الخيبات وهدية سماوية وأول شيء أشعر أني أملكه. أنا لست غاضبة ولا حزينة عليك/منك فلم أفكر يوما في رد أي شيء فعلته، لكن كنت أعود من الدراسة غاضبة لأن خادمة أمي قررت أن تعطيك حمامك اليومي، وكنت أراه حقي وواجبي وأني أمك يجب أن أطعمك وألبسك وأضعك في حضني، وفوقك تماما كتابي المدرسي، كنت أستمتع وأنا أذهب للاختبار في الجامعة، وأرى أمي ترفع يديك الصغيرتين، وتطلب منك أن تقولي »يارب وفق أمي«، فتخطئين وتقولين »يارب وقف أمي«، وتنهرك أمي وتعيد الجملة وتعيدينها بخطأ يضحكني وأفكر به في طريقي إلى الاختبار، وأعرف أنه امتص توتري، كنت سعيدة أني طالبة متفوقة، لكن كنت دائما أقلق من رضاك علي الغريب، إنه كان القلق الوحيد الذي كنت أحترمه ولا أريده أن يختفي، وربما أضاء لي طريقي وحدد خياراتي، كنت أريد فقط أن تقولي إنها أمي بفخر بالغ، ولا أعرف اليوم كم السعادات التي حرمت نفسي منها لأجل شعورك هذا سواء أصبت فيه أو لا، فنحن يا صغيرتي بشر ولسنا ملائكة. قلت لك يوما ما إن جيفري لانج قال في كتابه »حتى الملائكة تسأل«، أن الملائكة خلقت لتطيع بدون خيارات أخرى، بينما نحن نملك حق الاختيار »وهديناه النجدين«، نحن نعبده مع قدرتنا على ألا نعبده، وهذا الذي يجب أن ندركه، وأن ندرك أننا بشر لو لم نخطئ لاستبدلنا بقوم يخطئون ثم يتوبون ثم يغفر لهم. الله الذي منحنا وأرادنا أن نجرب. في الحقيقة كنت أقول لك ذلك حتى لا تخافي من طبيعتك البشرية، قلت لك مرارا لا تخافي من شيء أبدا. أذكر في صفك السادس قاطعت معلمة الدين عندما ادعت أن هناك من البشر من يستطيع رؤية الجن، فقلت لها لكن الله يقول »يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم«، فتعجبت المعلمة التي قالت لي يومها كأني أول مرة أسمع هذه الآية. كنت فخورة بك لأنك لم تخافي وقلت رأيك. لكنك كبرت وصرت تخافين ليس من إبداء رأيك، بل من أن أبدي أنا رأيي وتصرخين غاضبة »سيشتمونك«، وأعرف أن ذلك سيؤذيك، لكنه عالم حقيقي يجب أن نتحلى بالشجاعة فيه لننقد ونتحمل أن يتحدث »اللاشيء« عنا بالسوء، وللأسف في العالم الكثير من النكرات الذين نسيت إخبارك عنهم، وكان ذاك خطئي الوحيد. لقد نجح هؤلاء دائما في تخويفنا بالتعرض لشخصنا عند أي انتقاد لهم ولفكرهم، وسيكون خطؤنا أن نضع لرأيهم اعتبارا وأن نعتبر صوتهم أكثر من ضجيج، لذا علينا إقفال النوافذ والتحدث بصوت عال ليسمع بَعضُنَا بعضا، أما الصمت فليس حلاً لأن به سيرتفع صوت هؤلاء، ولن نتقدم خطوة لا نحن ولا بلادنا، وأنت تحبين التقدم وأنا أحبه أيضا.

azza@alwatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia