Al-Watan (Saudi)

الرياضة في مدارس البنات وفتوى الشيخ البراك

-

انشغل المجتمع في الأيام القليلة الماضية بقرار وزارة التعليم بإدراج حصص التربية البدنية في مدارس البنات، وهو قرار تأخر كثيرا، وكان لزاما أن يتم البدء في تطبيقه منذ وقت طويل، ولكن أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا، وانبرت فئة من المجتمع بالهجوم اللاذع على هذا القرار محملة إياه ما لا يستدعي من تخويف وتهويل لا مبرر له، وادعوا أن هنالك لوبيا علمانيا وليبراليا يسعى إلى الزج بفتياتنا في أتون التعري والتحرر والتغريب.. إلى آخر ذلك من مصطلحات تآمرية عجيبة. وهذه الفئة لم تنظر إلى حسنات هذا القرار، ولم تهتم فيما يبدو لما يعكسه هذا القرار من أثر بناء على المدى القريب أو البعيد على صحة فتياتنا ونسائنا اللاتي تشير جميع الإحصاءات الطبية الموثوقة لتصدرهن قوائم السمنة والسكري وهشاشة العظام، وزعمت إحدى الأكاديميا­ت في مقابلة تلفزيونية مع المذيع عبدالعزيز القاسم أن فتياتنا بحاجة لمفهوم ثقافي صحي متكامل عن الرياضة، يبدأ بالتوعية، وينتهي بإحلالهن مكان الخادمات بالبيوت إلا أنها مع ذلك ترى أن حصص الرياضة في المدارس لا ينبغي لها أن تكون جزءا من برنامجها التثقيفي المزعوم!. ومن عجيب ما قرأته ويتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك، والتي أورد فيها فضيلته بعض المفاسد التي يراها من وجهة نظره مدعاة لتحريم الرياضة لدى الفتيات، وسأورد بعض هذه النقاط على عجالة، ومن أراد قراءتها بالكامل فبإمكانه البحث عنها بمحركات البحث، وهي: تحطيم خلق الحياء عند المرأة –إحراج الطالبات الحييات لأن الرياضة (في زعمه) تقتضي من الحركة واللباس اللازم لذلك ما لا يطقنه – وأن هذه الرياضة تنمي داعي الإعجاب (العشق) المتفشي في أوساط الطالبات – هي فرصة للجريئات من الطالبات المستغربات في أفكارهن وسلوكهن. وهنا أطرح بعض التساؤلات حيال هذه (المفاسد) التي يراها الشيخ من وجهة نظره، فكم وددت أن يوضح لنا كيف يتحطم الحياء لدى الفتيات إذا مارسن الرياضة؟ لأنني حاولت جاهدا التفكير في الأمر ولم أتوصل إلى هذه الكيفية، وتراءى إلى ذهني تسابق رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهل كان سيد الخلق سيغفل عن أمر كأمر الحياء عند تسابقه مع زوجته، ولا أعتقد أنه قد تسابق معها في داره مثلا؟! ثم هو يتحدث عن إحراج الطالبات الحييات لما تقتضيه الرياضة (في تصوره) من اللباس والحركة ما لا يطقنه.. وأقول له في ذلك، أما أمر اللباس فهو كسائر الألبسة له ضوابطه التي ينطبق عليها ما ينطبق على اللباس المدرسي، وأما الحركة فليته يوضح كنه هذه الحركات، كما أن النساء في حفلات الزواج والأفراح يتراقصن ويتمايلن بين النساء، فهل ستكون حركاتهن الرياضية أكثر مما يطقنه في حفلات الزواج، وإن كان الأمر كذلك فلماذا لا نمنع حفلات الزواج أيضا بالمرة من باب سد الذرائع؟! وأما ما يتعلق بقول فضيلته بتسبب الرياضة للطالبات والفتيات بداء العشق، وتنمية السلوك والفكر المنحرف، وإطلاق العنان لسلوكهن المستغرب! أقول لفضيلته (مع تحفظي على هذا الوصف بهذه الكيفية) بأن الفكر المنحرف والسلوك المخالف للفطرة لا دخل لهما بالرياضة أبدا، بل لو وجدت الطالبات حيزا لتفريغ طاقاتهن المكبوتة في الرياضة لأسهم ذلك بشكل كبير في تعديل هذا السلوك الذي أشار إليه. وبعد كل ما تقدم فإنني لم أجد سببا واحدا مقنعا للنظرة السوداوية لهذا القرار، وكم أتمنى من الشيخ البراك ومن وافقه، أن يقدموا حسن النوايا في تفكيرهم، وألا يقوموا بتصوير فتياتنا وكأنهن على شفا جرف من الانحراف والفساد الذي ينتظر غياب الرقيب ليطلقن العنان لما فيهن من الشر، بل أن ننظر لهن بعين الواثق المطمئن، بحيث لو غابت عنهن عين الرقيب فلا يغيب عنهن الأنا والضمير الداخلي، وعين الله فوق الجميع تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. r.zyadi@alwatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia