Al-Watan (Saudi)

هياط المثقف

Http://www.alwatan.com.sa/info/neqashat.htm

- عبدالله الغامدي

رجعت إلى معجم المعاني لأبحث عن جذر ومعنى كلمة »هياط«، فوجدت 4 معان لا تسر الناظرين ولا تطرب السامعين!

»هاط يهيط هياطا« تعني الاضطراب والتدني، وكذلك »هيط وميط« بمعنى الشر والجلبة! وتأملت الواقع المهايطي من حولي، فوجدت مهايطي الولائم، ومهايطي المرجلة، ومهايطي التهريج، ومهايطي السلاح، والسيارات، وغيرهم كثير!

حالة من الشذوذ السلوكي توحي بوجود عجز ما في إحدى قنوات التعاطي النفسي والاجتماعي لدى بعض الأفراد والجماعات، وتنذر باختلال وداء لا يمكن برؤه على المدى القصير والطويل، حين يستشري في بعض الأنفس.

ومع كل هذا الانزعاج، فإنه لم يدر بخلدي -ولو لبرهة- أن نوعا عصريا من الهياط بدأ في الطفو على السطح في ظروف غامضة، راق لي أن أسميه »هياط المثقف«، وهذا النوع كارثي وماحق، لسبب لا يخفى على أي أحد، وهو أن الثقافة والمعرفة مظنة البعد عن الهيط والميط!

يقول أحد مثقفي الهياط، وهو يتحدث عن مناقشة رسالة الدكتوراه في إحدى الدول الغربية بالنص: إنه أفحم لجنة المناقشة! قلت: الحمد لله أن أحدا من أعضاء لجنة المناقشة لم يلق مصرعه عطشا، ذلك أن وصول شخص ما إلى أن يفحم آخر، يعني مخاطرة قلّ أن ينجو منها شخص أوروبي الهوية، تعوّد على الهدوء والطقس البارد، والحياة ذات الرتم المعتدل!

مهايطي مثقف آخر يقول، إن مشرف رسالته ومناقشي أطروحة الدكتوراه طلبوا منه أن يمنحهم فرصة طباعة رسالة الدكتوراه نيابة عنه ونشرها، ليفاجئهم جميعا برده الحاد: إنه ينوي أن يزج بالأطروحة في بحيرة الجامعة ليقتات عليها البط، ذلك أنها لا ترقى إلى ما كان يتأمله من القوة والرصانة وجودة المخرج. أعان الله البط!

وغيرها من القصص كثير، مما تغص به الصحف ووسائل التواصل، الأمر الذي يقدم المعرفة والهياط في كفة ميزان واحدة، ليخرج إلى المجتمع نمط ومخلوق أشبه بـ«الزومبي« الذي يرعب الناس ويشوه الجمال، ويبعث على التقزز والخوف!

وإن كان الهياط -كما يفند السيكولوجي­ون- يأتي لتعزيز فَقْدٍ ما في التكوين النفسي للفرد، فإنني لا أستبعد أن المثقف والعالم الحقيقي لا يحتاجان إلى أن »يهايطا« بأي شكل كان، ذلك أنهما مستمكنان جيدا لمكامن القوة، وعارفان بأبعاد الأمور، ومقدران لما ستؤول إليه الأحداث من عواقب، مما يجعلهما أكثر تأنقا، وأنقى لفظا، وأجمل ظهورا، أمام كل أحد!

ومع كل هذا، فإنني واثق أنه لم ولن يقف هياط المثقف عند أعتاب الأكاديميي­ن، فهنالك مهايطو الإعلام على طريقة »اخباري لقطة«، ومهايطو الإدارة على شاكلة »قيادتي لن تتكرر«، ومهايطو الفن على وتر »إحساسي مؤلم«، ومهايطو أدعياء الحرية بأنواعها على نمط »تؤرقني معاناة المرأة حتى أنني لا أنام !«

أختم بالقول، إن أخطبوط الهياط ما زال تنبت له ساق جديدة كل يوم، وسيظل ينمو ويستطيل ما لم يجد من المجتمع مقصا حادا وسيفا مشحوذا، يبتر تلك السيقان من مفصل الورك، هذا إن كان للسيد أخطبوط ورك، والله أعلم.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia