Al-Watan (Saudi)

الأمان الوظيفي: الخوف الكبير

Opinion@alwatan.com.sa فاكس: 0172273756

- عبدالله الغامدي

نبادر جميعا ونوصي أبناءنا وبناتنا بلا حدود حين يبحثون عن العمل بأن ينافسوا على الوظائف الحكومية متخذين من عبارة (الأمان الوظيفي) منطلقا للإقناع ومرتكزا للجدل، حتى أن أحدنا يتجاوز في غمرة التأكيد على هذا المبدأ بقولة: خلك بالقطاع الحكومي ولو بنصف راتب القطاع الخاص »مالك وللغلب!«

أسى في تقديري لا يماثله أسى، حين يعتقد الكثير أن الأمان الوظيفي مرادف للتسيب والفلتة بلا رقيب ولا حسيب.. وأسى أعظم حين تزرع بعض الأسر في أفرادها قيم الأمان الوظيفي كباعث على الراحة وقلة الإنتاجية وتدني الأداء، والغياب بأعذار وهمية، والالتفاف على الأنظمة والتحايل على المسؤول، وتصور كل هذه (الفذلكة) على أنها نقطة إيجابية تجعل موظف الغد يقاتل بسيفه ويتمترس خلف درعه ليحظى بهذا الأمان المزعوم.

في أحد المستشفيات الحكومية وقفت مع ابني لتؤخذ له عينة مخبرية ولأن أعداد المرضى كبيرة لزم أن يكون هنالك أكثر من غرفة لسحب العينات.. وبعد مناداة الابن لأخذ العينة طلبت منه الممرضة الوطنية الجلوس في الغرفة وغادرت المكان إلى حيث لا نعلم وبعد مرور أكثر من 10 دقائق والابن ينتظر على كرسي سحب الدم ساورني الشك أن الأمر سيطول، وقد كان حدسي في محله.. فبمجرد خروجي وجدت الممرضة جالسة على كاونتر الاستقبال وبادرتها بأن الابن ينتظرها منذ 10 دقائق على كرسي أخذ العينات، وبدون تردد ثارت ثائرتها وارتفع صوتها بأن الوقت قصير وأن عشر دقائق انتظار لا تعد شيئا.. عدت أجر أذيال الخيبة لتقوم ممرضة آسيوية بسحب العينة من ابني منهية الموقف بأقل التكاليف وأقصر الطرق وهي تردد‪I dont want.‬ ‪to fight‬ .. حينها أدركت أن الأمان الوظيفي أراح الممرضة الأولى وأتعب الثانية!

وفي دائرة أخرى من دوائر الأمن الخدمية طلبت من أحد الضباط أن يخبرني - بعد أن سلمت عليه - إذا ما كنت سأستفيد من خدمة أبشر الرائعة مباشرة بعد أن سجلت المعلومات أم أنني سأحتاج للانتظار لوقت معين قبل تفعيلها، فوالله ما رد على سلامي عوضا عن أن يجيب عن سؤالي.. تذكرت حينها أن إحساسه بالأمان الوظيفي جعله يتوهم أن تلك النجمتين اللامعتين القابعتين على كتفيه لا يمكن أن تزولا أمام مراجع عادي يسأل سؤالا لايستغرق الرد عليه 5 ثوان من وقته في أكثر الأحوال..

ولعل الأحداث والمواقف حول مفهوم الأمان الوظيفي وانعكاساته المشينة على جودة العمل تطول وتتشعب وتأخذ زوايا وانكسارات يعلمها الجميع ممن مر بمواقف مشابهة.

واليوم ونحن نتهيأ لبرنامج التحول الوطني كمقدمة محكمة للرؤية الوطنية 2030 فإن من أهم الأمور التي أتمنى أن توضع على طاولات النقاش لتجويد العمل الحكومي أمران:

أولهما: مراجعة مفهوم الأمان الوظيفي من حيث تفسير الأمان على أنه الاطمئنان التام على أن الموظف الحكومي لن يفقد عمله إلا بما نصت عليه اللوائح التنظيمية من تجاوزات كبيرة.. اليوم أتمنى أن يضاف لهذه اللوائح: سوء معاملة المراجع بلا مبرر، تعطيل العمل بلا سبب، الغياب بلا عذر، التعالي على المواطن من قبل الموظف متخذا من موقعه أيا كان وإدارته حجابا حاجزا وسدا منيعا يتهاوى أمامه كل أحد.. أليست هذه الأسباب جرائم في عرف العمل الخاص توجب الفصل والإبعاد؟ فلماذا لا تكون كذلك بالقطاع الحكومي؟

ثانيهما: تفعيل بطاقة تقييم الأداء الوظيفي الحكومي فليس من المناسب أبدا في ظل رؤية بهذا الحجم الكبير أن يتساوى موظفان حكوميان في العلاوة والمميزات، حصل أحدهما على تقدير »ممتاز« والآخر على تقدير »جيد«.. وقبل أن يعتقد أحد أن المحسوبيات ربما تطال التقييم أقول إن مجرد أن يتذكر المسؤول والمقيِم أنه لن يفلت من المحاسبة كفيل بردعه وأمثاله عن القيام بمثل هذه التصرفات.

هي دعوة إذاً إلى أن يكون الأمان جميلا بحسن التعامل وأداء الواجب واستشعار المسؤولية، قبل أن يتحول إلى خوف ورعب يسلب الحقوق ويضيع الأمانة ويفسد خطط التنمية الطموحة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia