Al-Watan (Saudi)

تطوير سوق عكاظ

- ناصر الشدوي

بين دورتين حضرتهما لسوق عكاظ، لمست أن هاجس التطوير لهذا السوق ربما يأخذه إلى مسار لم تقم عليه فكرة إعادة إحياء واحد من أشهر أسواق العرب، ذي العمق التاريخي، والذي يعكس تاريخ إنسان الجزيرة العربية، وذلك خلال تكريس أيقونات حضارية طغت على ديكورات وتفاصيل فعاليات مهرجان السوق.

لذا، أقترح أن يسير تطوير عكاظ في اتجاهين متوازيين، لا يعتمد أحدهما على الآخر، بحيث يكسب أحدهما ما يخسره الثاني، وإلا فإننا خرجنا بأهداف إقامة السوق وإحيائه عن الهدف المرسوم له، وخوفي هذا نتج من مشاهدتي هذا التحول الذي بدا في السوق بين دورتين، وكذلك ما قرأته في إحدى الصحف من أن توجه القائمين على السوق إدخال بعض مما يعد -من وجهة نظري- نشازا على الجادة على الأقل كأن تحوي الجادة معارض عسكرية، ومبتكرات في مجالات مختلفة كالطب والهندسة والعمارة والاتصالات وعروض الروبوتات وغيرها.

فالذي أراه أن الجادة -على الأقل- لا يتخللها أو يقترب منها أي رمز أو دلالة حضارية حتى تحتفظ بطابعها التاريخي القديم، ويشعر الداخل إليها أنه دخل سوقا جاهليا قديما بكل ما تعنيه الكلمة، ولا يسمح بأي جاذب بصري أن يتدخل في مشهد الجادة، ولا يمنع أن تكون هناك مناشط على هامش السوق في الجهة الموازية »البعيدة«، والتي ليست لها علاقة بالفكرة التاريخية.

الاتجاه الأول: الجانب التاريخي والثقافي، ففي التاريخي إخفاء كل عنصر أو دلالة حضارية في مداخل السوق، كأن تلبس البوابات وكل واجهات مبنى استقبال الضيوف بالحجر، بل أتمنى أن يتم تطعيم جنبات الشارع عند أول دوار يقابل الزائر بأكواخ وعشش وباعة بلباس عربي تقليدي قديم داخل السوق، فكثير من الناس -وربما الأطفال- تستهويه هذه ويشتريها وينزل بها الجادة، فتصبح إضافة من جهة ومن جهة أخرى عائدا اقتصاديا للباعة العرب في السوق وحوله. أعتقد أن هذه الفكرة ربما شكلت صدمة ثقافية تفتح نفس الزائر وتلهب مشاعره وأحاسيسه وتأهله لدخول سوق العرب الجاهلي.

كما يمكن إعادة رصف مسارات الجادة بالحجارة وليس بالبلاط، وجعل كل حوانيت السوق على طرفي الجادة من الأكواخ والعشش والخيام، وأن يلبس ممارسو التجارة فيها اللباس العربي التقليدي القديم، كتلك التي يلبسها الراجلة والراكبون على أظهر الخيل والجمال، وأن تكون هناك مطاعم شعبية تقدم خبز التنور وجميع الأكلات الشعبية.

أما في الجانب الثقافي، وما كان يمارسه العرب الأوائل في هذا السوق، من فداء ومعاهدات وإجارة وصلح، ومجالس للحكم في القضايا الخلافية والتجارية، وإعلان الأحلاف ونظام الإتاوة، وغير ذلك مما كان يمارس في السوق قديما، فيكون هناك رسم سيناريو كامل وحلقات من التمثيل تعكس كل جوانب الحياة في هذا السوق، وتقسم على عشر حلقات هي المدة الزمنية لإقامة السوق، وهذا الجانب يستقطب له مؤرخون ومخرجون ومصممو أزياء وديكور من مشاهير القائمين على المسلسلات التاريخية العرب، كحاتم علي وغيره، بمعنى أن يعيش المشاهد ومرتاد السوق أحداث مسلسل تاريخي خلال تصويره في الكواليس، أي حيّا على الهواء.

والاتجاه الثاني: وهو الاتجاه الحضاري، وهنا لا يمنع أن تقوم على هامش السوق التاريخي مناشط ومرافق خدمية، كمطاعم وغيرها مما يحتاجه مرتادو السوق، على ألا يبالغ في إدخال برامج وفعاليات ليس لها مقام في أرض فكرة مشروع تاريخي، فهناك محاضن لها، ولها مقام يحسن ألا تكون إلا فيها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia