Al-Watan (Saudi)

الإعلام والمصلحة العامة

-

كثيرا ما أجد حديثنا عن المصلحة العامة والإعلام يتسم بمثالية خيالية ومعيارية مبالغ فيها، ومع ذلك فمازلنا نحتاجه وإنما بواقعية وقرب للحقيقة أكثر منه حاليا. هناك أسباب كثيرة لهذه الإشكالية، أحدها التناقض، فمطالبة الإعلام بالمصلحة تعني بشكل غير مباشر إدارة الإعلام لضمان تحقيق هذه المصلحة، وهذا قد يتعارض مع مبدأ معياري مهم ألا وهو حرية الإعلام. ولظروف دراستي في أوروبا، أجد أن الأوروبيين أنفسهم لا يتفقون على مفهوم المصلحة العامة نفسه، فما يراه طرف صالح يراه آخر غير ذلك.. وإن كان البريطانيو­ن متفقين نسبيا على أن مصلحتهم من البي بي سي مثلا أن »تعلّمهم، تمتعهم وتعزز الهوية البريطانية«، لكن حتى البي بي سي، هذه المنظومة الرائعة في نظري، لم تسلم من انتقادات تتعلق بعدم حيادها وتحيّزها لطرف ضد آخر، وأبرز الأمثلة على ذلك هو اتهامها بأنها قناة تدعم المسلمين بإفراط من قبل منظمات سيخية وهندوسية في لندن. وأيضا مفهوم التنوع الذي نطالب به كمهتمين بالمصلحة العامة مازال لم يتحقق بشكل كامل ومطلق في أي مكان في العالم، وإن كانت هناك محاولات حثيثة لضمان تنوع المصادر وتنويع التمثيل في الشاشات بدول العالم الأول تحديدا. هناك أمثلة كثيرة على قلة التنوع سواء التمثيلي لكافة أفراد المجتمع إعلاميا أو قلة تنوع مصادر المحتوى الإعلامي.. وإذا نظرنا إلى دولة غربية أخرى، نعتبرها منارة في الإعلام، أميركا، نجد أنهم في حربهم مع العراق على سبيل المثال تمت تغطية الحرب في الإعلام الأميركي بشكل مكثف بواسطة ثلاث محطات إعلامية »إن بي سي« و»إي بي سي« و»سي بي إس،« والمدهش ليس التمركز على ثلاثة مصادر فحسب، ولكن الدهشة كانت في أن جميع هذه المصادر الثلاثة اعتمدت بشكل رئيسي على تحليلات البيت الأبيض دون تنويع في عرض الآراء الشعبية، حيث إنه وفقا لدينيس مكويل: »من بين 414 خبرا حول الحرب الأميركية-العراقية من سبتمبر 2002 حتى مارس 2003، كانت جميعها آتية من البيت الأبيض ما عدا 34 خبرا«. هذا يعني أن نسبة الرأي الآخر في هذه التغطية خلال سبعة أشهر لم تتجاوز 8 .% إن الإعلام في بريطانيا وأميركا كدول متقدمة، ودول تبادر بسرعة في سنّ القوانين وحماية المصالح ودعم الإبداع والابتكار الإعلامي، مازال يكافح ليضمن شيئا من المصلحة العامة، وليحقق أكبر قدر ممكن من الحياد والتنوع. أرى أننا نستطيع الاستفادة من كفاحهم والبدء خطوة بخطوة في هذا الطريق، أما ما يقترحه البعض في العالم الثالث من إجراءات مثل جعل الإعلام محايدا أو حرا كليا أو توزيع ملكياته فجائيا على الجميع، فهذه مبالغة خيالية، ذلك أن تحقيق الإعلام للمصلحة العامة يأتي نتيجة لعمل تراكمي يدوم لسنوات وربما عقود، وليس أمرا يستطيع تنفيذه مسؤول واحد، أو قرار واحد. abo0or.3@alwatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia