Al-Watan (Saudi)

المنظومة التعليمية التي تهمل مقرر التربية الفنية، وتتجاهل احتياج المدارس لسنوات إلى معاني ومعلمات التربية الفنية في مدارسنا، لن تنتج رسامين ولا حتى متذوقين للفن

-

آخر من الجمال والفن، كُتب وتراجم لشعراء المهجر وغيرهم، جداول للأحداث المستقبلية، والتي ضمت أكثر من اسم سعودي، يشاركون بشكل فردي واجتهاد شخصي منهم كما يبدو.

هذا المعرض هو جزء من مؤسسة تنشط أعمالها الثقافية والفنية والأدبية في لندن وفلسطين، من أجل تعزيز التواصل الثقافي.

قالت المشرفة على الصالة، إن هذا المعرض ليس الأول من نوعه لفنانات سعوديات، ولن يكون الأخير، لأن الرسالة السامية للفن والأدب والثقافة هي الاستمرار في مد وبناء جسور التواصل بين الشعوب، لمساعدتهم على فهم بعضهم بعضا.

لم يكن على الباب حارس، ولم تقف الفنانات لحماية أعمالهن، بل إنني سألت إذا كنّ سيحضرن لاحقا للقاء الجمهور، فقالت لي الموظفة: إنهن غادرن لندن بعد وضع أعمالهن في المعرض. أعمال سعودية تعرض بكل احترام في أرضٍ غريبة، وترعاها أيدٍ غريبة!.

أتساءل: ماذا لو أن معتوها ما قرر دخول هذا المعرض، والاعتداء على الأعمال الفنية الموجودة فيه وتدميرها، لأنها لا تعجبه أو لا تتفق مع هواه؟

يبدو التساؤل مجنونا، ولكن هذا الجنون هو بالفعل ما حدث مع الفنانة التشكيلية ابتهاج التي تعرضت لموقف

لا تحسد عليه، ولا يرضى به أي إنسان. فبعد أن أنهت رسم لوحتها الجميلة وقبل أن تجف الألوان، جاء أحدهم ليطمس معالم اللوحة، ويركز جهده في طمس اسمها الممهور أيضا على اللوحة.

وخلال انتظارنا ردة فعل توازي حجم الحزن الذي تشعر به ابتهاج، والغضب الذي نشعر به كمتابعين لمعرفة العقوبة أو قائمة العقوبات التي تنتظر هذا وأمثاله، خرجت شرطة حائل لتبرر ما حدث بالأحوال الجوية! ولا أدري صراحة لماذا تركت الأحوال الجوية بعض أجزاء اللوحة وركزت جهدها على الوجه والاسم!.

هذه البذرة غير الواعية بأهمية الفن ودوره في تعديل وتهذيب الروح والسلوك، لم تأت من فراغ، فالمنظومة التعليمية التي تهمل مقرر التربية الفنية، وتتجاهل احتياج المدارس لسنوات إلى معاني ومعلمات التربية الفنية في مدارسنا، لن تنتج رسّامين ولا حتى متذوقين للفن!

ولأن الشيء بالشيء يُذكَر، فقد سمعت بالرسّام الهولندي ‪JOHANNES VERMEER‬ للمرة الأولى من ابنتي، عند محاكاتها لوحته الشهيرة »الفتاة ذات القرط اللؤلؤي«، خلال دراستها أعماله في سياق تاريخ الفن، ضمن مقرر التربية الفنية في مدرستها.

تحدثت طفلتي بحماس عن هذه الفتاة التي كانت تعمل خادمة، لكن الفنان لفت نظره قرطها، فطلب منها أن يرسمها، وروت التفاصيل والتواريخ، ثم سمّت لي بعض أعماله واهتماماته الأخرى!

طفلتي نفسها سمعتني أعبّر لزميلتي قبل أشهر عن استيائي من إلغاء التربية الفنية في الثانوية السعودية، فقالت بهدوء من الأفضل إلغاؤها هناك مبكرا، لأنها مضيعة للوقت والجهد ولم نتعلم فيها أي شيء!

هل أحتاج هنا أن أقول إن تقديم التربية الفنية بطريقة بدائية في مدارسنا أسهم في قتل روح الفن في المجتمع، وأنتج كائنات تحتقر الفن لدرجة تدمير لوحة تنبض بالحياة قبل أن تجف ألوانها؟

هل أحتاج إلى التذكير بأن الفنون جزء من الحياة اليومية للشعوب المقبلة على الحياة، ومكوّن مهم جدا من مكونات الثقافة، وشاهدٌ على العصر؟

هل أحتاج إلى التذكير بأهمية تتبع السبب والفكر اللذين يدفعان شخصا ما إلى الاعتداء على لوحة جميلة ضمن معرض لأنشطة صيفية سياحية تدعمه الدولة؟

لهذه الأسئلة، وللمستقبل، أرى أن ما حدث يتطلب منا الاعتراف بالخلل، والعمل سويّا على تفكيكه وحلّه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia