Al-Watan (Saudi)

لا بد أن تنشغل بلادنا طوال العقود القادمة بالمزيد من دعم مشاريع التنمية والعلم، وأن نستمر كجزء من المنظومة الدولية الفاعلة، وأن ننمي أكبر قدر من الكفاءات

-

العربية التي نهضت، ولكن سقطت تحت رحمة تقديم الإيديولوج­يا الشعبوية على الحياة، لتجد السعودية نفسها قائداً ضرورياً للمنطقة، وما زال أمامها الكثير من فرص التقدم والإصلاح.

كلما تراجعت فرص التنمية والتعلم تعرضت الدولة للتهديد، كما حدث في بداية الثمانينات بعد أن أصبحت فئات كبيرة من الشباب لقمة سائغة للحركات والأحزاب الاستقطابي­ة التي ارتدت عباءة الإسلام، واستغلت العاطفة الدينية النبيلة، وتبنت تصورات شمولية معزولة عن الواقع لا تخدم مصلحة الإنسان، وهو ما تراجع اليوم مع الاستمرار في هزيمة الإيديولوج­يا الشمولية.

إرسال أكثر من ربع مليون مبتعث، وانشغال مئات الآلاف من الشباب بالدراسات العليا، وانحسار الأمية بنسبة

لا تزيد عن %5 مع الإقبال على فرص العمل والمشاركة في التنافس التنموي وانشغال غالبية الشباب السعودي بالنقاش، إضافة إلى الوعي بالتجارب الشعبوية الفاشلة، واستمرار صعود الوطنية، وتنامي قوة الدولة مع الإعلاء من الحاجة للتنمية، كان لها دور كبير في زيادة إقبال المجتمع السعودي على الانفتاح والتعددية والتنوير في زمن قياسي، وهو ما يمثل في مجمله قاعدة انطلاق لمزيد من النجاحات. ورغم ذلك لا يزال تقدماً سطحياً لاستمرار وجود المراجع الشعبوية، وهي التي تتشكل مع التغيرات السياسية إلى توجهات تركب الموجة السائدة بأقنعة جديدة، مما يزيد الحاجة في التجذير الثقافي لمشاريع التنمية والعلم.

انشغال الغرب بالعلم في القرن السابع عشر وتخليه عن الحروب الصليبية التي أشغلت بدورها العرب عن ازدهارهم، ومكنت العجم منهم في عصور الانحطاط، كان أيضا هو السبب الذي جعل الغرب يعود إلينا من خلال الاستعمار وهو يسبقنا تقدماً لبضعة قرون، ورغم ما في استعماره من مساوئ، إلا أنه انعكس إيجاباً بسبب علومه وتنميته، فلولا اكتشاف بريطانيا للنفط وانشغالها باستقرار وتنمية بعض الدول المستعمرة، وإن كان طمعاً في ثرواتها وتوسيع نفوذها، لما تقدمت دول عربية كثيرة وعلى رأسها ممالك الخليج، سواء كان بالاستعمار أو باستلهام التجارب، وهو ما انعكس في مشاريع اكتشاف النفط والتوجه للدولة الحديثة، وهو نفس العامل الذي أسهم في نقل سنغافورة من محطة قوافل بريطانية إلى إحدى أرقى دول العالم، وقد كان التحالف مع الدول المتقدمة تنموياً من أسباب تقدم كوريا الجنوبية التي تعاونت مع الأميركيين وتلقت علومهم وتنميتهم لتصبح إحدى أعظم الدول الصناعية وأكثرها تقدماً مقارنة بكوريا الشمالية التي اختارت الإيديولوج­يا الشمولية، وتخلت عن التنمية الشاملة. حتى الصين استفادت من هذه التجارب، وقررت الانعزال عن الصراعات العسكرية، والتخلي ما أمكن عن سطوة المعتقدات الشمولية، ولم تستعجل في استعادة ما تريد، ووجدت نفسها تنتقل من الشيوعية إلى الرأسمالية دون تعنت أمام حركة التاريخ، وكان ذلك مقابل تحقيق أهدافها التنموية والاقتصادي­ة، مما جعلها أكثر قدرة على إنقاذ ملايين الصينيين من الفقر والمرض والجهل والجوع.

الفراغ يجعل الإنسان لقمة سائغة لأول فكرة تحتل عقله، فالإنسان بطبيعته لا يتحمل الفراغ، وإذا انشغل بالتنمية والعلم وجد أنه تلقائياً أقل تجاوباً للشعارات الشعوبية قصيرة المدى والتي تنسى متطلباتها الإنسانية الضرورية.

لا بد أن تنشغل بلادنا طوال العقود القادمة بالمزيد من دعم مشاريع التنمية والعلم، وأن نستمر كجزء من المنظومة الدولية الفاعلة، وأن ننمي أكبر قدر من الكفاءات، لأن الكم يولد الكيف، وألا نستعجل على تقادم الخبرات، وأن نستمر في ترسيخ قيم المواطنة باعتبارها السد الأمني الذي لا يجب أن يتخلى عن التناغم مع العالم، ودون الانجراف في تحويل مكتسباتنا ومقدراتنا إلى إيديولوجيا شعوبية عبثية، وهو ما يجعلنا أقوى وأقدر في حماية مكتسباتنا، والدفاع عن مقدساتنا، وحماية معتقداتنا، وإثراء هويتنا بعيداً عن التجارة بالدين أو الإيديولوج­يا والتي لم ولن تثبت نفعها لمصلحة الإنسان في كل زمان ومكان.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia