Al-Watan (Saudi)

العبث بالنعمة

- محمد فايع

كم مرة سمعتم بأن فلانا من الناس في مجتمعنا قام بإعداد »وليمة« كانت أعداد الصحون فيها، وأعداد ما نحر من أغنام، يفوق عدد من جلس حولها من الناس مرتين أو ثلاثا، وبعض الصحون لم يجلس حولها أحد، ثم كان مصير »الفائض« مما قدم وبعضه لم يمس »مكبات النفايات« !؟ أسألكم بربكم، هل هذا العبث بالنعمة يعد اليوم من الكرم والمفاخرة، في زمن لم يعد يموت فيه كثير من الناس بسبب الجوع، بل كانت نهاياتهم وأمراضهم نتيجة لملء بطونهم من ألوان الطعام والشراب، بعكس الأمس حين كان الناس يربطون على بطونهم الحجر من شدة الجوع، بينما اليوم يربطون معداتهم نتيجة التخمة مما يبلعون ويشربون؟ أين الكرم فيما يقدم إذا كان مصير الزائد من الطعام براميل القمامة؟

متى يصحو الناس في مجتمعنا ليعرفوا أن الكثير من الممارسات في مناسباتهم العامة كـ »الزواجات والعزاءات« وما دخل عليها من طقوس لم ينزل الله بها من سلطان؛ إنها خطأ ومخالفة لشرع الله جل في علاه، الذي يقول في كتابه ﴿ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾، مؤلم أن تتحول المظاهر إلى مرض يستعصي حله أو علاجه في مجتمعنا، ومرض يُطلب ولو بواسطة الأقساط البنكية، وبالتورط في الديون من فلان وعلان، وكل ذلك من أجل البروز على سطح المجتمع، كي يقال إن فلانا أقام عزيمة أو زواجا لم تشهد المدينة مثله، وأن أسرة آل فلان أقامت حفل زواج لابنهم أو ابنتهم لم ولن يأتي أحد بعدهم بمثل ما فعلوا، وربما قد يقال لقد حصل في عزاء فلان ما لم يحصل في عزاء سواه بتقديم الوجبات والضيافة مخالفة للسنة! ليتنا نعلم أن النعمة التي نعيشها في بلادنا بفضل من الله، وتلك الخيرات التي نراها في الأسواق والمراكز وفي البيوت، كانت دول مثلنا تعيشها وتنعم بها وربما أكثر منا، ولأنهم كانوا لا يراعون فيها إلا ولا ذمة، ولا مخافة زوالها لكثرة ما عبثوا وأسرفوا وبذرّوا وهم يحسبونه إكراما، (فقدوها) وباتوا اليوم في عداد المعوزين، اليوم في مجتمعنا بعضهم فاق كل معاني الإسراف والتبذير حين وضعوا »القعدان« في وسط الصحون الكبيرة التي تحمل بـ»الروافع« التي لم تصنع إلا للعبث والإسراف، ثم يحيطونها بعشرات الخرفان، ثم يلفون حولها ما لا يخطر على البال من أصناف الطعام والشراب، ثم يقال للحاضرين بعد كل ما قدم، تفضلوا واعذرونا على قلة الكلفة! يعتذرون من عدد من الناس، وقد قدموا ما يشبع كل أفراد القبيلة، ولا يعتذرون من الله حين يقومون برمي نصفها بل ثلاثة أرباعها في براميل القمامة!

ولهذا يجب مخاطبة الوعي والعقول في مجتمعنا بلغة لا تعوزها الصراحة والوضوح؛ بأننا لسنا في مأمن من ذهاب النعمة وزوالها كما ذهبت من دول وجماعات نتيجة لغضب الله، ونحن نرى في المجتمع فئة ابتلي بها المجتمع مصابون بمرض المظاهر والمفاخرة »يعبثون بالنعمة« ظنا منهم أن ما يقومون به هو »كرم وجود حاتمي«.

إننا بحاجة إلى خلق ثقافة جديدة في مجتمعنا تتناسب ومرحلتنا القادمة بما يتماهى مع رؤية بلادنا 2030، يكتسب فيها الصغار قبل الكبار فن العيش والادخار والاستهلاك، يراقبون في مناسباتهم تحقيق رضا الله، وإلا رضا الناس غاية لا تدرك.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia