Al-Watan (Saudi)

نخلق من الحبة قبة

-

أحيانا تجد نفسك تنفجر بلا سبب وجيه، أو قد لا يوجد سبب يستحق كل هذا الغضب وهذا التشنج والهجوم! ثم حين تراجع نفسك تجد أن انفعالاتك كانت شديدة، وقد تكون قمت بالتلفظ بكلمات غير لائقة أو وصل بك الأمر إلى أن تجرح وتخدش وتدمي أيضا! أنا لا أتحدث هنا عمن يستخدم هذه الطرق لكي يحصل على مراده، سواء في الحوار أو في عملية مساومة مثل الشراء والبيع، يبحث عن أي خطأ بسيط أو خلل غير ذي أهمية، ويبدأ بالاعتراض والتركيز على هذه النقطة، ويتقمص شخصية الضحية التي تتعرض للابتزاز، هنا يجبر الآخر على التراجع والاعتذار أو التخفيض من سعر السلعة حتى يتم الرضا والقبول!

حديثنا اليوم بالتحديد عمن يخلق من الحبّة قبّة دون تخطيط مسبق! حقا ما الذي أدى بحبة الرمل إلى أن تصبح جبلا؟! أمور كثيرة تؤثر سلبيا علينا، نقوم إراديا بدفعها إلى اللاوعي، تتدحرج داخل الذاكرة وتأخذ مكانا ونظن أنها انتهت، ولكنها لم تنته لماذا؟ لأننا نقوم بعمليات الإضافة إلى أن تصبح هذه الأمور التي قد تكون بدأت كحبة رمل ثم تحولت إلى جبل، ولنسمّ هذه العلميات قمعا أو كبتا أو إنكارا، السؤال هنا ثم ماذا؟ نقوم بقذف هذه الأمور الضارة على حدث بسيط أو موقف لا يستحق، وبدلا من البحث عن الجذر أو الحبّة التي تضخمت نقوم بتحريك هذا الجبل من حالة إلى أخرى ونسقطه عليها، لأننا ببساطة نخاف ونتحاشى مواجهة الأصل؛ الحبة!

الأمر عبارة عن قنبلة مؤقتة في انتظار فتيل يشعلها! وهذا الفتيل قد يكون شخصا ما أخذ مكانك في موقف سيارات، أو دخل أمامك في طابور انتظار، أو ابنك الذي كسر مزهرية دون قصد، أو كلمة عابرة تلفظ بها أحدهم في حوار ثانوي خلال لقاء عابر لا دخل له بما يجري في داخلك! كل هذه خبرات قد تزعج أي فرد منا، ولكن أحيانا حين يكون المرء في حالة نفسية معينة؛ ولنقل منفوخ نفسيا؛ يحمل أثقالا داخل اللاوعي، سيبدو الأمر بالنسبة إليه وكأنه تم إطلاق الرصاص عليه؛ نغزة بسيطة تصبح جرحا مميتا، ورأي مخالف قد يؤدي إلى حرب عالمية!

واليوم نجد أن الكثير من هذه الانفجارات تحدث داخل وسائل التواصل الاجتماعي خاصة »واتساب«! هنالك مجموعات تدخلها بدعوة، وهنالك ما تدخلها كفرض دون الأخذ برأيك، مثل مجموعات العمل أو الأسرة، وهنالك مجموعات مؤقتة حسب مشروع أو مهمة ما، المهم تجد أنك داخل هذه المجموعات باختلاف توجهاتها أو أهدافها أو نوعيتها للترفيه أو التنمية أو الثقافة أو مجرد التواصل مع الأحبة والأصدقاء، هنا كيف تتفاعل؟ الأمر يعتمد عليك أولا وأخيرا، قد يختلف معك أحدهم في الرأي، وربما يعلق آخر سلبيا على مشاركة لك، أو قد لا يعلق أحد على فكرة أو موضوع طرحته، وبالمقابل تجد أن شخصا آخر وضع أمرا سخيفا، حسب معاييرك، وتجد أن الجميع يتفاعل وكأن الذي قدمه نظرية لأينشتاين، وقد تعلق وتتفاعل مع الغالبية كنوع من »إتكيت« التواصل، ولكن لا يتم رد التحية، أو تذكر أمرا ويتم تجاهله، وحين يذكره آخر يتحرك الجميع وكأنهم يسمعون به لأول مرة، هنا إن كنت ممن لديه جبال مختفية داخل دهاليز اللاوعي فقد تخرج هنا على شكل رعد وبرق وهجوم، ويصبح الأمر يخص مشاعرك، ذاتك، وليس المقطع أو المشاركة أو الرد الذي كما يقال »القشّة التي قصمت ظهر البعير«، لأنك لو تمعنت في الأمر لوجدته لا يستحق كل هذه الضجة، ما حركه هو غضب، استياء، خيبة أمل، أو ربما شيء ما في ماضيك كإهمال أو تعدّ أو عدم تقدير من أحد في دائرة حياتك، وهنا لا تعلم إن كنت تهاجم هذا الآن أم ذاك الأمر من الأمس! ليس لك الحق في أن تجبر الآخرين على كيفية وكمية التفاعل معك أو مع غيرك، هم أحرار، ربما بينهم رابط أقوى مما هو عندك، وقد يكون ما تقدمه جديدا، ولكنه ليس بالجاذبية التي يقدمه الآخر، الأسباب كثيرة، وجلّها ليس له علاقة بك أصلا! الأمر بسيط، إن كنت غير مرتاح ولا تجد أي تقدير فانسحب من المجموعة دون أن تحتاج لأن تضغط على أعصابك، وستجد بالتأكيد مجموعات أخرى تتطابق معك، وتتفاعل أكثر، نظرتك لذاتك تأتي منك وليس من الغير، فابحث عما يريحك ويرضيك، لست خسارة لهم وليسوا مكسبا لك، المكسب والخسارة بينك أنت وبين ذاتك، هذه حدودك فاعمل على ما يغنيها، ولا تبحث عما يؤرقها ويشقيها، ولا تدخل مجموعات أو مواقف وأنت محمل بأثقال مسبقة، وتتوقع من البقية أن يكونوا مثلك أو داخل نفسيتك ودماغك!

بدلا من أن نترك أعصابنا تنفلت منا، ونجعل الآخر هدفا للهجوم لنتوقف وندرس لماذا كان رد فعلنا مفرطا؟ إنها خطوة من الممكن أن تساعدنا إلى التوصل للمصدر الحقيقي لهذا الغضب، وهنا يمكن أن نرى المشكلة من منظور أفضل، وببصيرة تمكننا من البحث عن الحلول، ليست كل الحلول آنية وممكنة، ولكن حين نعترف بالمشكلة على الأقل نكون في طريق العلاج، والتمكن فيما بعد من التحكم في أعصابنا، وبالتالي رد الفعل لأي عارض يمر علينا سواء كان يستحق أو لا يستحق، لنحاول ألا نقضي جل وقتنا في الندم والتحسر، لنتعلم من الدروس التي تقدمها إلينا الحياة، ولنكن إيجابيين، نحن جميعا نريد أن ننتمي، وحتما نريد أن نكون أفضل وأقوى وأذكى، لذلك نسعى دائما إلى التميز، لكن يجب ألا نجعل التميز عقبة، الكمال لله سبحانه وتعالى، فإن قابلتنا مشكلة فلنحاول أن نحلها، وإن لم نجد الحل الآن، فسنجده غدا بطريقة أو بأخرى، لا نكبت ولا نتنكر، ولنعترف لنعالج، المهم ألا نعطل حياتنا، المهم أن نتعايش ونتقبل تلك النفس التي هي ذاتنا، ولنعلم أنه حين ندرك أن النفس البشرية حمّالة أوجه ولديها دهاليز ليست واضحة للجميع، نستطيع على الأقل أن نتفهم نوبات الغضب عند الآخر، وبدلا من رد الهجوم بالمثل أو أشد شراسة، لنتوقف عن قذف الحطب في النيران، لنأخذ الأمر بهدوء، ولنترك له الفرصة ليراجع نفسه، أحيانا كثيرة يعود ويعتذر، فإن لم يفعل لم ينقص منك شيء، بل تكون من تحكم بالموقف، ولم يسمح له بالانفجار.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia