Al-Watan (Saudi)

لنتخلص ما أمكن لنا من كراهية بعضنا بسبب توجهاتنا ومذاهبنا ولنعلي من قيمة العلاقات الإنسانية والمواطنة، ولنقدم حسن الظن ولننشغل بالتنمية والعلم والتعاون لبناء الوطن الواحد

-

يسمع أحد المصابين بهذه اللوثة كلمة شيعي أو سني أو حتى علماني وليبرالي إلا وتملكته الرغبة بتناول مسدسه.

الخير بين الناس يتمثل في كافة مظاهر الحياة، سواء أكان في الكلمة الحسنة أو حب المساعدة أو منع الأذى أو التطوع لفعل الخير، ويصل إلى مستوى المشاركة في تنمية الوطن التعددي المتناغم.

دوافع فعل الخير الرئيسة بين الناس ثلاثة، الأول يقوم على المصلحة الدنيوية سواء أكان الأجر المالي كحال الموظفين في المؤسسات التجارية أو الخيرية أو الخدمية، أو كان بدافع الشهرة والنفوذ، وهو دافع محمود في كافة الحالات. أما الدافع الثاني فهو نيل الأجر من الله وثواب الآخرة، وهو من أهم الدوافع الجميلة والخالدة بين المؤمنين، وهو ما يمكن أن يردع نفساً ضيقة تخنقها الكراهية، وهناك دافع ثالث ينبع من الذات الخيّرة المحبة لفعل الخير بلا قيد أو شرط، وهو من أرقى الدوافع، وهي دوافع ثلاثة يمكن أن تجتمع في الناس.

لوثة الإيديولوج­يا قد تجعل الإنسان يبذل الخير على طريقة العصابات، سواء أكان الدافع هو المصلحة الدنيوية

أو ثواب الآخرة كما يتوهم، فهو لا يرى المستحقين إلا من الجماعة، وحتما ينتفي هنا دافع الذات الخيّرة التي دائما ما تكون في ذاتها أقرب إلى الله عز وجل.

أسباب لوثة الإيديولوج­يا عديدة، أحدها الجهل وعدم المعرفة وضعف مهارات التحليل والمنطق، والتي تمثل تربة خصبة للأفكار التخريبية، ومع ذلك فهذه اللوثة قد تصيب حتى من نراهم على قدر عالِ من التعلم، وهذا يعود بنا إلى سبب آخر.

أحد أهم الأسباب هو السبب السياسي الذي يدفع بعض الساسة إلى إشعال الصراعات الفكرية والمذهبية لتحقيق أهدافهم، فالصراع بين اليهودية والإسلام في أرض فلسطين، حدث بعد تبني الصهاينة عقيدة عدائية استيطانية لم تنشأ فعليا إلا بدافع رغبة إنسانية في البحث عن وطن لجماعة بلا وطن، واستخدمت العقيدة تبريراً مقدسا، كما أن الصراع الذي أنتجه نظام الخميني في المنطقة عبر تبني بعض أشكال المذهب الشيعي لم يكن في الأصل إلا بدوافع سياسية ذاتية، تطلب الحكم وترى الحق للإمبراطور­ية الفارسية في العودة وفي فرض نفوذها على المنطقة.

السبب الأهم والنابع من نفس الذات المصابة بهذه اللوثة هو البرمجة الراسخة للموروثات أو الأفكار التي احتلت العقل، والتي كانت سبباً في برمجة العقل على إطار نسقي يقوم على عقلية القطيع، التي تحتاج إلى الجماعة ورموزها لوعي العالم دون امتلاك القدرة على المراجعة والنقد والاستقلال بالرأي.

يرى الفرد هنا عالمه في فسطاطين، فهو مع جماعته تجسيد للخير المطلق أما الآخر فهو النقيض أو الضال عن جادة الصواب، وقد تتوافق الإيديولوج­يا المحتلة للعقل مع النوازع الإجرامية، وترتدي عباءة القداسة المزيفة كما حدث في (داعش) أو (جاحش)، فكان اغتصاب النساء بحجة السبي، وكان القتل على الهوية بحجة الانتصار للدين، وهو ما قد يحدث أيضا بعيداً عن الأديان في حالة ترسيخ الكراهية والقمع بحجة الانتصار للوطن.

لوثة الايديولوج­يا تصيب الجميع من كافة التوجهات، وهي »فيروس« يمكن أن يخمد ليعود من خلال عدة هزات متتالية، كحالة البراكين الخامدة، ولكنه لا يموت بسهولة.

لنتخلص ما أمكن لنا من كراهية بعضنا بسبب توجهاتنا ومذاهبنا، ولنعلي من قيمة العلاقات الإنسانية والمواطنة، ولنقدم حسن الظن ولننشغل بالتنمية والعلم والتعاون لبناء الوطن الواحد، ولنستمر ما أمكن لنا في التساؤل والنقاش، وفي نشر المعرفة والعلم، فإن كان ذلك فعلاً شغلنا الشاغل فسوف تتلاشي لوثة الإيديولوج­يا.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia