Al-Watan (Saudi)

لوثة الإيديولوج­يا

-

في مجتمعنا العربي قد يحدث أن يخسر أحدهم صديقاً بسبب نقاش سطحي عن قيادة المرأة السيارة، أو موقف شخصي من الغناء والموسيقى، أو حتى لموقف سياسي أو عقائدي تجاه دولة أو جماعة أخرى من السنة أو الشيعة أو نظام الدولة، وقد نصنف أحدهم بالعلماني أو الصحوي أو الداعشي أو الشيعي والسني والإخواني وغيرها، بعد نقاش عابر، فيترتب على ذلك حالة من الهياج العبثي.

الأزمة لا تكمن في التصنيف فقد يكون صحيحاً ولكن في تفكك العلاقات الإنسانية بسبب اختلاف التوجهات التي

لا تتضارب بين بعضها في المصلحة، وخاصة إذا اعتقد أحدهم أنه يتقرب إلى الله ببغض إنسان آخر قد يكون من أكرم الناس وأكثرهم بذلاً للخير وأشدهم تسامحا وتفهما، حتى مع هذا الصديق الذي يبغضه، بل إن هذا المنبوذ قد يكون صاحب فضل كبير على صاحبه، ولكن الأول لن يراه بسبب هذه البرمجة العنيدة إلا شيطانا رجيما.

إنها لوثة الإيديولوج­يا التي تجعل الإنسان قد يكره أخاه أو صديقه أو زميله وشريكه في الوطن بسبب اختلاف الأفكار والمعتقدات، فقد تفاقمت هذه اللوثة كثيرا وقتل بسببها الأبرياء، وفككت الجماعات وسقطت بها دول، وتلاعب بها بعض الساسة لفرض نفوذهم، لأن المجتمع المتشظي بالكراهية لا يستقيم فيه الأمن إلا بالاستبداد، وكانت ولا زالت هذه اللوثة من أفضل خيارات العدو الخارجي لزيادة تفكيك المجتمع وإسقاط الدولة، وهو ما فعلته الاستخبارا­ت الإسرائيلي­ة في تبنيها للعداوات المذهبية والعقائدية بين العرب، في دعمها حتى لداعش، وسعادتها بالإخوان والنظام الإيراني، وحتى بالقاعدة وبأمجاد صدام الخرافية، لأنها من أفضل الخيارات الحمقاء لكي نزداد في كراهية بعضنا البعض.

هذه اللوثة تصل أحيانا إلى أعلى درجات التوحش، وهي لا ترتبط بدين أو ثقافة أو معتقد، ولكنها تحدث في كافة المجتمعات، فقد كانت بين الكاثوليك والبروتستا­نت، وتكررت بين النازيين ودول المحور، ولا زالت في الدولة الدكتاتوري­ة الأمنية، ووصلت في بعض المجتمعات إلى القتل على الهوية تحت أوهام الصراع الشيعي السني، فما أن

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia