Al-Watan (Saudi)

كيف يوصف صانع الثقافة بمدمن المخدرات

- عاطف آل رحاب

مع اقتراب بدء العام الدراسي الجديد ظهرت بعض التغريدات التي تنتقص من قدر المعلم، بل وتهاجمه وتصفه بألفاظ تحط من قدره ومكانته أمام طلابه وتلامذته، مما ينعكس عليه بالسلب ويضعه في موقف حرج يشعر فيه بالإهانة، وراح بعضهم يحسد المعلمين على إجازتهم، واصفين المعلم بأنه أكثر من يتقاضى أجرا ويأخذ إجازات، ناسين أو متناسين المجهودات الشاقة التي يبذلها أولئك المعلمون والمعلمات في سبيل تعليم الأبناء والبنات، معرضين أنفسهم للمخاطر في التنقل من منازلهم إلى مدارسهم، خاصة أن البعض من المعلمات والمعلمين يضطرون للانتقال إلى أماكن بعيدة ونائية عبر وسائل المواصلات، ناهيك عن حجم الضوضاء والفوضى والإزعاج الذي يلاقونه من الطلبة والتلاميذ طوال اليوم مما يؤثر على أعصابهم.

ويتناسى أولئك »المثقفون والكتاب والمغردون« أنهم تتلمذوا ودرسوا على أيادي أولئك المعلمين، ولست أدرى لماذا نرى هكذا كتابات خارجة عن السياق. فكيف يوصف المعلم الذي يعد صانع الأجيال، بل صانع الثقافة والحضارة لأي بلد، بأنه مدمن مخدرات؟

أنسي أولئك مكانة العلم والمعلم في الإسلام وما حظي به المعلم وطالب العلم من ثناء وتقدير قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أوُتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. قال أبو معاوية الضرير: استدعاني الرشيد إليه ليسمع مني الحديث، فما ذكرت عنده حديثا إلا قال: صلى الله وسلم على سيّدي، وإذا سمع فيه موعظة بكى حتى يبل الثرى، وأكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يديّ، فصب الماء عليّ وأنا لا أراه، ثم قال يا أبا معاوية: أتدري من يصب عليك الماء؟ قلت: لا. قال: يصب عليك أميرُ المؤمنين. قال: أبو معاوية فدعوت له. فقال: إنما أردت تعظيم العلم.

وروي كذلك أن العالم المسلم (الكسائي) كان يربي ويؤدب ابني خليفة المسلمين في زمانه هارون الرشيد، وهما الأمين والمأمون، وبعد انتهاء الدرس في أحد الأيام، قام الإمام الكسائي فذهب الأمين والمأمون ليقدما نعلي المعلم له، فاختلفا فيمن يفعل ذلك، وأخيرا اتفقا على أن يقدم كل منهما واحدة.. ورفع الخبر إلى الرشيد، فاستدعى الكسائي وقال له: من أعز الناس؟ قال: لا أعلم أعز من أمير المؤمنين، قال: بلى، إن أعز الناس من إذا نهض من مجلسه تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى يرضى كل منهما أن يقدم له واحدة، فظن الكسائي أن ذلك أغضب الخليفة فاعتذر الكسائي، فقال الرشيد: لو منعتهما لعاتبتك، فإن ذلك رفع من قدرهما.

فكيف نريد لأمتنا أن تنهض وبعض مثقفينا ينتقص من قدر المعلم الذي يعد القلب النابض والمحرك للمنظومة التعليمية؟ فإن انتقص من قدره وأصبح مسارا للسخرية والهجوم والتحقير لذهبت هيبته من أعين تلاميذه، مما ينعكس سلبا على المنظومة التعليمية. فكفى خوضا في أحاديث وأقوال تهدم ولا تبني ولا يُجنى منها سوى الأثر السيئ الذي يؤثر بالسلب على المجتمع.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia