اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺴﺮد اﻟﺰاﺋﻒ

ﰲ ﻋﴫ ﺗﺴﻮده وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ املﺴﺒﺒﺔ ﻟﻼﻧﻘﺴﺎم و»اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺤﺰﺑﻴﺔ اﻟﺰاﺋﻔﺔ«، ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻓﻜﺮة أن »اﻷﻋﻤﺎل أﻋﲆ ﺻﻮﺗﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت« ﺻﺎدﻗﺔ. ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻧﻌﻴﺪ اﻻﺳﺘﻜﺸﺎف، ﻧﺠﺪ أن اﻟﻜﻠﻤﺎت أﺻﺒﺤﺖ ﻗﻮﻳﺔ وﺗﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻣﻌﻘﺪة، وﺧﺎﺻﺔ ﰲ ﺳﻴﺎق اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. وﻛﺎن اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻷﺧري ﻟﻠﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻸﻣﻢ املﺘﺤﺪة ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺗﺬﻛﺮة أﺧرية ﺑﺄن اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻻ ﺗﺰال ﺗﻤﺜﻞ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﱪى ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ. اﻧﺘﺰع اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣريﻛﻲ دوﻧﺎﻟﺪ ﺗﺮﻣﺐ ﻗﺪر ﻛﺒريا ﻣﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻖ ﻗﺎﺋﻼ إن اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة »ﻟﻦ ﻳﻜﻮن أﻣﺎﻣﻬﺎ اﺧﺘﻴﺎر ﻏري ﺗﺪﻣري ﻛﻮرﻳﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ« إذا ﻫﺪدﺗﻬﺎ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻛﻮرﻳﺎ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ أو ﻫﺪدت ﺣﻠﻔﺎءﻫﺎ. واﻟﻮاﻗﻊ أن أﻏﻠﺐ اﻟﺨﱪاء اﻟﻌﺴﻜﺮﻳني ﻳﺘﻔﻘﻮن ﻋﲆ أن ﻧﺸﻮب ﺣﺮب دﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻴﺔ ﻋﲆ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻜﻮرﻳﺔ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ أن ﻳﺒﻴﺪ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻛﻮرﻳﺎ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ، ورﺑﻤﺎ ﻛﻮرﻳﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻣﻌﻬﺎ. ﺑﻴﺪ أن ﺑﻌﺾ أﺟﺰاء أﺧﺮى ﰲ ﺧﻄﺎب ﺗﺮﻣﺐ أﻣﺎم اﻷﻣﻢ املﺘﺤﺪة، وﺧﺎﺻﺔ املﻘﺎﻃﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎول ﻓﻴﻬﺎ املﺼﺎﻟﺢ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎدة، ﺗﺤﺘﺎج إﱃ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ. اﻟﻮاﻗﻊ أن ﺗﺮﻣﺐ ﻻ ﻳﺨﻔﻲ رﻏﺒﺘﻪ ﰲ »وﺿﻊ أﻣريﻛﺎ أوﻻ«، وﻗﺪ أﻛﺪ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﻬﺪ ﻋﲆ ﻣﻨﱪ اﻷﻣﻢ املﺘﺤﺪة. وﻟﻜﻨﻪ ﺣﺚ أﻳﻀﺎ اﻟﻘﺎدة اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﲆ وﺿﻊ دوﻟﻬﻢ أوﻻ. ﻓﻘﺎل: »ﻟﻜﻲ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ ﻣﺨﺎﻃﺮ اﻟﺤﺎﴐ وأن ﻧﺤﻘﻖ وﻋﺪ املﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻳﺘﻌني ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺒﺪأ ﺑﺤﻜﻤﺔ املﺎﴈ. ﻓﻨﺠﺎﺣﻨﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﺗﺤﺎﻟﻒ اﻷﻣﻢ اﻟﻘﻮﻳﺔ املﺴﺘﻘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻀﻦ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ اﻷﻣﻦ واﻟﺮﺧﺎء واﻟﺴﻼم ﻟﺼﺎﻟﺤﻬﺎ وﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ. ﺑﻮﺳﻊ املﺮء أن ﻳﺴﺘﻨﺘﺞ، ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻛﺜريون، أن ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﴫﻳﺤﺎت ﺗﺸري إﱃ إﺣﻴﺎء ﺗﻔﺎﻧﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺷﺆون اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﻛﻤﺎ ﻻﺣﻆ املﺆرخ ﺟﻮن ﺑﻴﻮ ﰲ ﺗﻌﻠﻴﻘﻪ ﻋﺎم 2016 ﻋﲆ ﺗﺎرﻳﺦ املﺼﻄﻠﺢ، ﻛﺎن ﻣﻦ املﺘﻮﻗﻊ أن ﺗﺘﺒﺪل اﻟﺤﺎل: »ﺗﺘﺒﻊ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺗﻨﺎ ﻟﻠﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ دورات، ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻠﻦ ﺻﻨﺎع اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت أﻧﻔﺴﻬﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ، أو أﻛﺜﺮ واﻗﻌﻴﺔ«. وﻟﻜﻦ ﻧﻈﺮة ﺑﻴﻮ ﺗﺬﻛﺮﻧﺎ أﻳﻀﺎ ﺑﺄن املﺴﻌﻰ املﻨﻔﺮد ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ املﺼﺎﻟﺢ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ــ ذﻟﻚ اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻋﺎﻫﺎ ﺗﺮﻣﺐ ــ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﳾء ﻋﲆ اﻹﻃﻼق، إذا اﻧﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﻓﻜﺮة ﺗﺤﻮﻳﻠﻴﺔ أو ﻏﺮض ﻣﻌﻴﺎري. وﻟﻦ ﻳﺨﺪم ﻋﺰل املﺨﺎوف اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺸﺆون اﻟﻌﺎملﻴﺔ إﻻ ﻛﺴﺒﺐ ﻹﺿﻌﺎف اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة وﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻘﻠﺪوﻧﻬﺎ. ﻇﻬﺮ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ املﺨﺘﻠﻄﺔ ﻟﻠﺜﻮرات اﻷوروﺑﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ،1848 ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺘﻮﺣﻴﺪ أملﺎﻧﻴﺎ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﻠﻴﺎت املﺤﺘﻤﻠﺔ، وﻟﻜﻦ اﻟﻬﺪف اﻟﺴﻴﺎﳼ اﻷﻛﱪ ــ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪوﱄ اﻟﺬي ﻳﻀﻢ دوﻻ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ــ ﻛﺎن واﺿﺤﺎ رﻏﻢ ذﻟﻚ. وﻟﻜﻦ ﰲ أﻋﻘﺎب اﻹﻋﻼن ﻋﻦ ﻋﻘﻴﺪة ﺗﺮﻣﺐ »أﻣريﻛﺎ أوﻻ«، ﻳﺘﻠﺨﺺ اﻟﺘﺤﺪي اﻟﺬي ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم ﰲ ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﻐﺮض ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. وﻛﻤﺎ زﻋﻢ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ روﺑﺮت ﺳﺒﺎوﻟﺴﻜﻲ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺳﺘﺎﻧﻔﻮرد، ﻓﺈن اﻟﺘﺸﻌﺒﺎت اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺔ اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺒﺪو ﺣﺘﻤﻴﺔ وﺑﺎﻟﻐﺔ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﰲ وﻗﺖ ﻣﺎ، رﺑﻤﺎ »ﺗﺘﺒﺨﺮ ﰲ ﻟﺤﻈﺔ« إذا ﺗﻮﻓﺮت اﻟﻈﺮوف املﻨﺎﺳﺒﺔ. ﻳﺮى ﺳﺎﺑﻮﻟﺴﻜﻲ أن »ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻻﺗﺼﺎل«، اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ ﰲ ﺧﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻨﻔﺲ ﺟﻮردون أﻟﺒﻮرت، ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﺗﻌﺰز املﺼﺎﻟﺤﺔ ﺑني املﺘﺨﺎﺻﻤني، وﺗﺴﺎﻋﺪ ﰲ ﺳﺪة ﻓﺠﻮة »ﻧﺤﻦ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻫﻢ«. وﻗﺪ ﻳﺆدي »اﻻﺗﺼﺎل«، ﺳﻮاء ﻛﺎن ﺑني أﻃﻔﺎل ﰲ ﻣﺨﻴﻢ ﺻﻴﻔﻲ أو ﻣﻔﺎوﺿني ﺣﻮل ﻃﺎوﻟﺔ املﻔﺎوﺿﺎت، إﱃ ﻓﻬﻢ أوﺿﺢ، إذا ﻛﺎﻧﺖ املﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻄﻮﻟﺔ وأدﻳﺮت ﻋﲆ أرض ﻣﺤﺎﻳﺪة، وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻬﺔ ﻧﺤﻮ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻧﺘﺎﺋﺞ، وﻛﺎﻧﺖ ﻏري رﺳﻤﻴﺔ وﺷﺨﺼﻴﺔ، وﺗﺠﻨﺒﺖ اﻟﻘﻠﻖ أو املﻨﺎﻓﺴﺔ. * ﻋﻀﻮ ﰲ ﻣﺠﻠﺲ إدارة املﻨﺘﺪى اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻌﺎملﻲ.

ﻧﻘﻼ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﺑﺮوﺟﻴﻜﺖ ﺳﻨﺪﻛﻴﺖ