ﺣﲔ ﺗﻜﻮن اﻟﻔﺘﻮى ﺟﺮﻳﻤﺔ اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ﺛﻤﺮة اﻟﻔﺘﺎوى اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺼﺮ ﻟﻤﺬﻫﺒﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﺈﻏﺮاء أﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻴﻞ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺬاﻫﺐ اﻷﺧﺮى، ﻣﻦ ﺷﺮﻛﺎﺋﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ أو ﺷﺮﻛﺎﺋﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ أو اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، وإﻳﺬاء ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ

ﻻ أﻇﻦ ﻣﻮﺿﻮع املﺆﺗﻤﺮ اﻟﺬي ﻧﻈﻤﺘﻪ دار اﻹﻓﺘﺎء املﴫﻳﺔ اﻷﺳﺒﻮع املﺎﴈ »دور اﻟﻔﺘﻮى ﰲ اﺳﺘﻘﺮار املﺠﺘﻤﻌﺎت« ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﻓﻘﻬﻴﺎ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﻳﻬﻢ اﻟﻔﻘﻬﺎء وﺣﺪﻫﻢ، أو ﺗﻜﻔﻴﻪ دراﺳﺎﺗﻬﻢ وآراؤﻫﻢ، أو ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﺳﺘﺸﻌﺎر ﻣﺎ ﻳﻄﺮﺣﻪ ﻣﻦ إﺷﻜﺎل وﻣﺎ ﻳﺘﻄﻠﺒﻪ ﻣﻦ ﺣﻠﻮل.

ﺑﻞ ﻟﻌﻞ اﻹﻧﺼﺎف ﻳﻘﺘﴤ أن ﻧﺮى ﻣﻮﺿﻮع اﻹﺷﻜﺎل ﰲ املﺆﺗﻤﺮ ﻫﻮ اﻟﻔﻘﻪ واﻟﻔﻘﻬﺎء، ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺘﻤﻠﻚ ﻟﻠﻔﺘﻮى وإﻧﺘﺎﺟﻬﺎ، وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن اﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎملﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ وﺳﻠﻄﺘﻬﺎ، ﺗﻘﺘﴤ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻋﻦ املﻌﺮﻓﺔ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺪراﺳﺔ، ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻴﺢ اﻟﺒﴫ ﺑﻤﻮﺿﻮﻋﻬﺎ ﰲ ﺗﺠﺮد ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻴﺰ، واﻧﻜﺸﺎف ﻟﻠﺤﺠﺎب اﻟﺬي ﻳﺴﺒﺒﻪ اﻟﻘﺮب واﻻﻟﺘﺼﺎق.

ﻫﺬه املﺴﺎﻓﺔ ﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻣﻮﻗﻔﺎ ﻧﻘﺪﻳﺎ ﻣﻨﻬﺠﻴﺎ ﻟﻠﻔﻘﻪ وﻟﻠﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ، ﺗﺠﺎوز ﺑﻬﻢ املﺘﻜﺂت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻴﺢ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻔﺘﻮى ﰲ اﻟﻌﺒﺚ ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﺮار، وﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ املﺴﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻦ اﺧﺘﺼﺎﺻﺎت ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻵﻟﻴﺎت واﻟﴩوط واﻷوﺿﺎع اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﻔﺘﺎوى، وﺗﺨﻠﻖ ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ وﺷﺬوذﻫﺎ وﺿﻼﻻﺗﻬﺎ وﻣﺎ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺪﻣري وﺗﺨﻠﻒ، وﻻﻗﱰاح اﻟﺤﻠﻮل.

وﺗﺘﺠﺎوب املﺴﺎﻓﺔ املﻄﻠﻮﺑﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮ، ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ ﻣﻦ اﺗﺴﺎع، ﻣﻊ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ واﻟﺘﺎرﻳﺦ، ﺗَﺠﺎوز اﻧـﺤﺼﺎر املﺸﻜﻠﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ أو ذاك، أو ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ أو ذاك.

ذﻟﻚ أن اﻻﺿﻄﺮاب اﻟﺬي ﺗﺤﺪﺛﻪ اﻟﻔﺘﺎوى ﻳﺸﻤﻞ أﻗﻄﺎر املﺴﻠﻤني وأﻣﺎﻛﻨﻬﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﻣﺬاﻫﺒﻬﻢ، وﻧﺮاه ﰲ ﻓﱰات اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻨﺬ ﺗﺼﺎرﻋﺖ املﺬاﻫﺐ، واﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻷﺣﺰاب واﻷﻫﻮاء اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻠﺘﺴﻠﻂ واﻟﺘﻨﻔﻊ وإﱃ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا.

وإذا ﺷﺌﻨﺎ أن ﻧﻘﺪم ﺗﻮﺻﻴﻔﺎ ﻟﻠﻤﺸﻜﻠﺔ وأن ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻃﺮق ﻟﺤﻠﻬﺎ، ﻓﺈن ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺄﺧﺬﻫﺎ ﰲ اﺗﺴﺎﻋﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ واﻟﺠﻐﺮاﰲ، وﰲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﰲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﺣني ﻻ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻓﺘﻮى ﻣﺪﻣﺮة اﻵن ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻒ ﻓﻘﻬﻲ -ﻣﺜﻼ- ﰲ اﻟﻌﴫ املﻤﻠﻮﻛﻲ أو ﻗﺒﻠﻪ أو ﺑﻌﺪه، أو ﻋﻦ وﺿﻌﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أﻧﺘﺠﺘﻬﺎ ﰲ زﻣﻦ ﻏﺎﺑﺮ، وﻻ ﻳﻘﻒ ﴐر ﻓﺘﻮى ﰲ املﴩق ﻋﻦ أن ﻳﺒﻠﻎ أﻗﴡ املﻐﺮب.

أﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ اﻟﻔﺘﻮى ﻣﻦ ﺧﻄﻮرة وأﺛﺮ، ﻓﻴﻌﻮد إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣﻮﻗﻌﺎ ﺳﻠﻄﻮﻳﺎ ﰲ ﺣﻴﺎة املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، إذ ﻳﻜﺎد ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ ﻋﺎﻣﺔ املﺘﺪﻳﻨني ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ إﻟﺰام ﻟﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ املﻔﺘﻮن ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ »املﻮﻗﻌني ﻋﻦ رب اﻟﻌﺎملني«، ﻋﲆ ﺣﺪ وﺻﻔﻬﻢ ﻋﻨﺪ اﺑﻦ اﻟﻘﻴﻢ ﰲ ﻋﻨﻮان ﻛﺘﺎﺑﻪ املﻌﺮوف، وﻟﻴﺴﺖ -ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ املﻘﺮرة- رأي املﻔﺘﻲ واﺳﺘﺪﻻﻟﻪ وﻓﻬﻤﻪ وﺗﻔﺴريه وﻗﻴﺎﺳﻪ، أي ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻘﻬﻪ ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﻟﻠﻔﻘﻪ، ﻓﺎﻟﻔﻘﻪ »ﺻﻨﻌﺔ«.

وﺧﻄﻮرة اﻟﻔﺘﻮى ﻫﻨﺎ ﻫﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ذﻟﻚ املﻮﻗﻊ اﻟﺴﻠﻄﻮي ﻟﻬﺎ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﱰﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺴﺒﺒﻪ، ﻣﻦ اﺳﺘﻘﺮار املﺠﺘﻤﻌﺎت أو اﺿﻄﺮاﺑﻬﺎ، وﻣﻦ ﺗﺂﻟﻔﻬﺎ أو اﺣﱰاﺑﻬﺎ، وﻣﻦ ﻧﺰوﻋﻬﺎ إﱃ املﺴﺘﻘﺒﻞ واﻟﺒﻨﺎء واﻟﺘﻘﺪم واﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ، أو اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ.

إﻧﻬﺎ -ﻣﻦ ذﻟﻚ املﻨﻈﻮر اﻟﺴﻠﻄﻮي اﻹﻟﺰاﻣﻲ- ﺗﻨﻄﻖ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ اﻻﻣﺘﻼك ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺪد وﺗﻨﻘﺴﻢ وﺗﺨﺘﻠﻒ، ﺑﺤﺴﺐ ﺗﻌﺪد املﻔﺘني واﻧﻘﺴﺎﻣﻬﻢ واﺧﺘﻼﻓﻬﻢ، ﻓﻴﻐﺪو ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ ﻫﺬا ﺟﺎذﺑﺎ ﻟﻸﻫﻮاء واملﻨﺎﻓﻊ اﻟﻔﺌﻮﻳﺔ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺻﻔﺔ، وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻻﺧﺘﻼف اﻟﺘﺼﻮرات واﻟﺤﺴﺒﺎن ﻟﻸوﻫﺎم واملﺨﺎوف اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻔﺎرق ﺗﺠﺎرب اﻟﺒﴩ.

ﻫﻜﺬا ﻧﺮى اﻟﺘﻄﺮف واﻹرﻫﺎب ﰲ ﺟﻮﻫﺮﻫﻤﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻓﺘﺎوى ﺿﺎﻟﺔ وﻣﻀﻠﺔ، ﺗﺄوﻟﺖ -وﻓﻖ ﻗﻨﺎﻋﺎت واﻫﻤﺔ وﺿﻴﻘﺔ- ﻧﺼﻮص اﻟﺪﻳﻦ وﻣﻘﺎﺻﺪه وآراء اﻟﻔﻘﻬﺎء، ﻟﺘﻔّﺠﺮ ﺑﺮﻛﺎن اﻟﺪﻣﺎء، وﺗﻀﻴّﻖ اﻟﺨﻨﺎق ﻋﲆ ﺣﻴﺎة املﺠﺘﻤﻌﺎت، وﺗﻀﻄﻬﺪ املﺨﺘﻠﻒ، وﺗﻌﺎدي اﻟﻌﺎملني ﺟﻤﻴﻌﺎ.

وﻫﻜﺬا ﻧﺮى اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ﺛﻤﺮة اﻟﻔﺘﺎوى اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﴫ ملﺬﻫﺒﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﺈﻏﺮاء أﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻴﻞ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب املﺬاﻫﺐ اﻷﺧﺮى ﻣﻦ ﴍﻛﺎﺋﻬﻢ ﰲ اﻟﻮﻃﻦ أو ﴍﻛﺎﺋﻬﻢ ﰲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ أو اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، وإﻳﺬاء ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ.

وﻫﻜﺬا ﻧﺮى اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ املﻔﺰﻋﺔ ﻟﻠﻔﺘﺎوى واﻵراء اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ، ﺣني ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻸﻋﺮاف واﻷﻫﻮاء اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﰲ إﻧﺘﺎج اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ املﻨﺘﻨﺔ واﻟﻄﺒﻘﻴﺔ املﻘﻴﺘﺔ، ﻣﻨﺘﻘﺼﺔ ﻛﻔﺎءة ﻧﺴﺐ اﻷﺷﺨﺎص ﺑﺴﺒﺐ أﻟﻮاﻧﻬﻢ أو اﻧﺘﻤﺎءاﺗﻬﻢ اﻹﺛﻨﻴﺔ أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، وﻣﺤﻘﺮة ﻣﻦ ﻋﻘﻠﻴﺔ وأﺧﻼﻗﻴﺔ أﺻﺤﺎب ﻣﻬﻦ ﻣﺤﺪدة، ﺑﻤﻨﻌﻬﺎ ﻗﺒﻮل ﺷﻬﺎدﺗﻬﻢ، ﻟﻴﺲ ﻟﴚء إﻻ ﻷﻧﻬﻢ ﰲ ﻗﺎع املﺠﺘﻤﻊ، ﻛﺎﻟﻜﻨﺎس واﻟﻜﺴﺎح واﻟﺰﺑﺎل، وﻏريﻫﻢ ﻣﻤﻦ ﺗﻮﺻﻒ ﻣﻬﻨﻬﻢ ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﻔﻘﻬﺎء، ﻛﻤﺎ ﰲ »املﻐﻨﻲ« ﻻﺑﻦ ﻗﺪاﻣﺔ ﺑـ»اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺪﻧﻴﺌﺔ« اﻟﺘﻲ »ﻳﺠﺘﻨﺒﻬﺎ أﻫﻞ املﺮوءات«.

وﻫﻜﺬا ﻧﺮى اﻟﺘﺄﻟﻴﺐ ﻣﻬﻨﺔ ﻓﻘﻬﻴﺔ رﺧﻴﺼﺔ، ﺑﺎﺗﺖ اﻟﻔﺘﺎوى وﺳﻴﻠﺘﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻫﻲ وﺳﻴﻠﺔ اﻟﻮﺛﻮب ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، وﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﺳﻼح ﰲ اﻟﺘﻔﺴﻴﻖ واﻟﺘﻜﻔري ﻳﺸﻞ املﺠﺘﻤﻊ وﻳﻌﺘﻘﻠﻪ ﰲ ﻓﺘﻮى أو أﺧﺮى.

وﻟﻦ ﺗﻜﺘﻤﻞ ﺻﻮرة اﻟﻔﻮﴇ ﰲ اﻟﻔﺘﺎوى، ﻣﻦ دون أن ﻧﺘﺬﻛﺮ اﻟﻔﺘﺎوى اﻟﺸﺎذة واﻟﺼﺎدﻣﺔ واﻟﻐﺮﻳﺒﺔ واملﺘﻮﺣﺸﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﺛﺮ ﰲ أﻗﻄﺎر املﺴﻠﻤني، ﺧﺼﻮﺻﺎ وﻫﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﻴﺎن ﻣﻦ أﺳﻤﺎء ﻣﻌﺮوﻓﺔ وﻣﻘﺪرة وﻟﻬﺎ أﺗﺒﺎع.

ﻓﻤﻦ ﻳﺒﻴﺢ »ﻧﻜﺎح اﻟﻮداع« أي ﻣﻌﺎﴍة اﻟﺰوﺟﺔ املﺘﻮﻓﺎة، ﻻ ﻳﻘﻞ ﺻﺪﻣﺎ ﻟﻠﺸﻌﻮر ﻋﻤﻦ ﻳﺒﻴﺢ »ﻧﻜﺎح اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ«، أو ﻏﺮاﺑﺔ ﻋﻦ ﻓﺘﻮى »اﻟﺰواج ﻣﻦ اﻟﺠﻦ«، أو ﺷﺬوذا ﻋﻦ ﻋﺪم ﺟﻮاز »ﺧﻠﻮة اﻷب ﻣﻊ اﺑﻨﺘﻪ«، وﻋﻦ ﺟﻮاز »إرﺿﺎع اﻟﻜﺒري«. وﻫﺬه وﺗﻠﻚ ﻟﻴﺴﺖ أﻗﻞ ﰲ اﻟﺪﻻﻟﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﻮﺣﺶ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻮى اﻟﺘﻲ ﺗﺮى أن »اﻟﺰوج ﻟﻴﺲ ﻣﻠﺰﻣﺎ ﺑﺪﻓﻊ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ دﻓﻦ زوﺟﺘﻪ املﺘﻮﻓﺎة«، أو ﻓﺘﺎوى »ﻗﺘﻞ اﻟﻨﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل«.

وﻫﺬه أﻣﺜﻠﺔ ﻳﺴرية ﻣﻤﺎ ﺗﺪاوﻟﻪ اﻟﻨﺎس ﻟﻌﺪﻳﺪ املﻔﺘني ﰲ اﻟﻌﻘﺪ اﻷﺧري ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻮات ﻓﺤﺴﺐ، وﺳﻴﺠﺪ املﺮء أن ﻟﻬﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ وملﺎ ﻳﻔﻮﻗﻬﺎ ﻣﺮﺟﻌﻴﺎت ﰲ ﻣﺬاﻫﺐ وﻣﺆﻟﻔﺎت ﻓﻘﻬﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ.

واملﺆﻛﺪ أن ﻛﺘﺎﺑﺎ ﺟﺮﻳﺌﺎ ﻛﻜﺘﺎب أﺣﻤﺪ اﻟﻌﺮﻓﺞ »اﻟﻐﺜﺎء اﻷﺣﻮى ﰲ ﻟﱢﻢ ﻃﺮاﺋﻒ وﻏﺮاﺋﺐ اﻟﻔﺘﻮى« (2011) ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﻪ ﻫﻨﺎ، ﻷن ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻳﺘﻴﺢ، ﺑﺠﻤﻌﻪ اﻟﻔﺘﺎوى اﻟﺸﺎذة واﻟﺼﺎدﻣﺔ، اﻟﺘﺄﻣﻞ ﰲ املﻮﺿﻮﻋﺎت واﻟﺨﻠﻔﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨﻠﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎوى ﺗﺠﺎﻫﻬﺎ، وﻳﺤﻔﺰ اﻟﻮﻋﻲ إﱃ اﺳﺘﻜﻨﺎه ﻛﺜﺮﺗﻬﺎ وﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ وﻓﻮﺿﺎﻫﺎ وأﺛﺮﻫﺎ واﻟﺘﺪاﻋﻴﺎت ﺣﻮﻟﻬﺎ.

وﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ إﱃ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت وﻣﺆﺗﻤﺮات ﻛﺎملﺆﺗﻤﺮ اﻟﺬي ﻋﻘﺪﺗﻪ دار اﻹﻓﺘﺎء املﴫﻳﺔ، ﺗﺸﺨﺺ اﻟﻈﺮف اﻟﺜﻘﺎﰲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺬي ﺗﺘﺨﻠﻖ ﻓﻮﴇ اﻟﻔﺘﺎوى ﻓﻴﻪ، وﻗﻮة ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ، وﻳﺼﻒ اﻵﺛﺎر املﱰﺗﺒﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ. وﻟﻜﻦ املﻬﻤﺔ اﻟﻜﺄداء اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪو ﻫﺬا اﻟﺠﻬﺪ ﻫﻲ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﺣﻠﻮل ﺗﻤﻨﻊ ﻣﺎ ﺗﺤﺪﺛﻪ اﻟﻔﺘﺎوى ﻣﻦ دﻣﺎر.

وﻟﻴﺲ ﻟﻠﻤﺮء إﻻ أن ﻳﻌﺠﺐ ﻣﻤﻦ ﻳﺴﺘﻌﺠﻞ اﻟﺤﻠﻮل، أو ﻳﺒﺎدر إﱃ إﻳﺠﺎز وﺻﻔﺘﻬﺎ. ﻓﺎﻟﺤﻠﻮل ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ -ﻓﻴﻤﺎ اﻃﻠﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ- ﻻ ﺗﻌﺪو ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ املﻬﺘﻤني ﺳﻮى »اﺳﺘﺸﻌﺎر اﻟﺨﺸﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﱃ، وﺗﻌﻈﻴﻢ أﻣﺮ اﻟﻔﺘﻴﺎ، وﺗﺬﻛﺮ ﺗﺪاﻓﻊ اﻟﺴﻠﻒ ﻟﻬﺎ«. وﻫﺬا أﻣﺮ ﺻﺤﻴﺢ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ، ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﺣﻼ، ﻷن أﺣﺪا ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺰﻋﻢ أن أﺻﺤﺎب اﻟﻔﺘﺎوى املﺴﻴﺌﺔ ﻻ ﻳﺨﺸﻮن اﻟﻠﻪ، إﻻ إذا ﻛﺎن ﻣﻄﻠﻌﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﻴﺎت واﻟﻀﻤﺎﺋﺮ. ﻓﺨﺸﻴﺔ اﻟﻠﻪ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ﻋﻤﻞ ﻗﻠﺒﻲ- أﻣﺮ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﺘﻘﻮﻳﻤﻬﻢ ﻫﻢ، واﻟﺪواﻋﺶ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل وأﺷﺒﺎﻫﻬﻢ، ﻻ ﻳﺮون ﻓﻴﻤﺎ ﻓﻌﻠﻮا إﻻ إرﺿﺎء ﻟﻠﻪ وإﻗﺎﻣﺔ ﻟﴩﻋﻪ واﻧﺘﺼﺎرا ﻟﺪﻳﻨﻪ وﻃﻤﻌﺎ ﰲ ﻧﻌﻴﻢ اﻟﺸﻬﺪاء ﰲ اﻟﺠﻨﺔ.

وﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻳﺮى اﻟﺤﻞ ﰲ ﺗﻮﻋﻴﺔ املﺴﺘﻔﺘﻲ ﺑـ»أﻻ ﻳﺴﺄل إﻻ ﻣﻦ ﻛﺎن واﺛﻘﺎ ﻣﻦ ﻓﺘﻮاه وﺧﺸﻮﻋﻪ«. أو ﻳﴩح ﺻﻨﻌﺔ اﻟﻔﺘﻮى وﺣﺎﺟﺘﻬﺎ إﱃ اﻟﺪرﺑﺔ واملﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ، ﻏﺎﻓﻼ ﻋﻤﺎ ﺗﺘﻴﺤﻪ ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺔ ﰲ اﻟﻔﺘﻮى ﻣﻦ ﻣﺪاﺧﻞ ﺷﺘﻰ ﻻ ﺿﺎﺑﻂ ملﻘﻴﺎس اﻟﺪرﺑﺔ واملﻌﺮﻓﺔ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮى ﺗﺼﻮر املﻔﺘﻲ وادﻋﺎﺋﻪ املﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ وﻧﻔﻴﻪ إﻳﺎﻫﺎ ﻋﻦ ﻏريه.

وﻻ ﻳﻘﻞ إﺷﻜﺎﻻ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻳﺮى »ﺗﺠﺮﻳﻢ اﻻﺧﺘﻼف ﻋﲆ ﻓﺘﻮى اﻹﻣﺎم اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻟﻸﻣﺔ ﻋﲆ ﺟﺎدة ﺗﺂﻟﻔﻬﺎ«، وﻫﺬا ﻣﺎ ورد ﰲ ﻛﻠﻤﺔ اﻷﻣني اﻟﻌﺎم ﻟﺮاﺑﻄﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻌﻴﴗ أﻣﺎم املﺆﺗﻤﺮ. ﻓﻌﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ أﺻﺤﺎب اﻟﻔﺘﺎوى املﻘﻠﻘﺔ أﻣﺮ ﻣﻄﻠﻮب، ﻓﺈن ذﻟﻚ ﻳﺒﻘﻰ دون ﻣﻬﻤﺔ املﻌﺎﻟﺠﺔ ﻟﻠﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﻎ ﻋﲆ املﻔﺘني -ﺑﻤﺰاﺟﻬﺎاﻟﺘﻌﻈﻴﻢ، وﺗﺴﺘﺪر ﻣﻨﻬﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎوى املﺜرية ﻟﻼﺿﻄﺮاب، وﻗﺪ ﺗﺘﻮﻫﻢ ﰲ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻟﻬﻢ ﺑﻌﺾ دواﻋﻲ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﻬﻢ.