رﺣﻠﺔ اﻟﻤﻮت: اﻟﺮاﻛﺐ اﻟﺨﻔﻲ
ﺿﻤﻴﺮ ﻣﺘﺼﻞ
املﺸﻬﺪ اﻷول: ﻛﺎن اﻟﺨﺒﺖ اﻟﺘﻬﺎﻣﻲ اﻟﻔﺴﻴﺢ ﻳﻌﺞ ﺑﻌﴩات املﻮﻇﻔني، وﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎن ﻳﻤﻨﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﺼﻌﻮد إﱃ املﺮوﺣﻴﺔ ﻻﺧﺘﺼﺎر زﻣﻦ وﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺮﺣﻠﺔ. ﺗﻨﺎزل املﻮﻇﻒ اﻟﺼﻐري ﻋﻦ ﻣﻘﻌﺪه ﺗﻘﺪﻳﺮا ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﰲ اﻷﺻﻞ ﺗﺮﻏﺐ ﰲ اﻟﻌﻮدة إﱃ املﺪﻳﻨﺔ. اﻃﻤﺄن ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻄﺎﺋﺮة ﻋﲆ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ املﻘﺼﻮرة. أﻟﻘﻰ ﻧﻈﺮة ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻮه، وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﻨﴗ اﻟﻌﺪد ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻦ وﺟﻮد راﻛﺐ ﺧﻔﻲ. ﻟﻢ ﻳﻠﺤﻈﻪ أﺣﺪ. ﻟﻢ ﺗﺸﺎﻫﺪه ﻋﴩﻳﻦ ﻋﻴﻨﺎ ﻳﻘﻈﺔ. ﻟﻢ ﻳﻨﺒﺲ ﻫﺬا اﻟﺮاﻛﺐ املﺘﺨﻔﻲ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ، رﺑﻤﺎ ﺗﺴﻠﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺨﻠﻔﻲ اﻟﺼﻐري ﻟﻬﺬه املﺮوﺣﻴﺔ. رﺑﻤﺎ ﻧﺎم ﺗﺤﺖ أﺣﺪ ﻣﻘﺎﻋﺪﻫﺎ ﻣﻨﺬ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺒﺎرﺣﺔ، رﺑﻤﺎ ﺗﺴﻠﻞ ﺧﻠﺴﺔ إﱃ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻔﺮاغ اﻟﻀﻴﻖ ﰲ ﺣﻘﻴﺒﺔ املﻌﺎﻣﻼت اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺷﺤﻨﻮﻫﺎ ﰲ زاوﻳﺔ ﻣﺎ ﺑني املﻘﺎﻋﺪ. راﻛﺐ ﺧﻔﻲ ﺗﺪور ﺣﻮﻟﻪ ﻛﻞ أﺳﺌﻠﺔ اﻟﻴﻘني اﻟﺤﻖ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ، راﻛﺐ ﺧﻔﻲ ﻻ ﻳﺮﻗﻰ إﻟﻴﻪ أدﻧﻰ ذرة ﻣﻦ ﺷﻚ. ارﺗﻔﻌﺖ اﻟﻄﺎﺋﺮة. ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻴﺎن ﻋﲆ اﻷرض ﻳﻨﻘﻞ ﻟﻨﺎ أﻧﻬﺎ ﺣﻠﻘﺖ ﺑﻜﻞ ﻧﺸﺎط وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺣﻼوة اﻟﺮوح ﻗﺒﻞ ﺳﻜﺮة املﻮت. املﺸﻬﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ. ﻓﺠﺄة ﻳﻈﻬﺮ اﻟﺼﻤﺖ املﻄﺒﻖ. ﻳﻠﺤﻆ اﻟﺮﻛﺎب ﺣﺮﻛﺔ ﻏري اﻋﺘﻴﺎدﻳﺔ ﰲ ﻛﺎﺑﻴﻨﺔ اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻼ ﺑﺎب أو ﺣﻮاﺟﺰ ﻋﻦ املﻘﺼﻮرة. ﻳﻀﺞ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺎﻷﺳﺌﻠﺔ إﱃ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﺤﺎﳽ ﻧﻘﻞ اﻟﺠﻮاب اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ املﺨﻴﻒ. ﻛﻠﻤﺎ ذﻟﻒ ﻣﻦ ﻓﻮق ﻗﻤﺔ ﺟﺒﻞ ﺗﻨﻔﺲ اﻟﺼﻌﺪاء. ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﻢ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺗﻄﻤني. وﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎع اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﲆ رأس ﺟﺒﻞ واﺟﻬﻪ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ، ﻳﺎ إﻟﻬﻲ: ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﺮد ﺧﻤﺴﺔ ﺟﺒﺎل ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ. ﻛﻴﻒ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ إﱃ ﺧﻤﺴني ﺟﺒﻼً ﻣﱰاﺻﺔ. اﻵن ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﺠﺒﻞ اﻷﺧري اﻟﺬي ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻃﺎﺋﺮاً أو راﺟﻼً. ﻫﻨﺎ ﻗﻤﺔ اﻟﺴﺤﺎب اﻷﺧرية. أﺧﺬ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻔﺮاغ اﻟﺘﻬﺎﻣﻲ دورة ﻧﺸﺎط ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺤﺪى اﻟﺠﺒﻞ اﻷﺧري. ﻛﺎن ﻳﺪرك أن املﺴﺄﻟﺔ ﺣﻤﻞ زاﺋﺪ ﻟﺮاﻛﺐ ﺧﻔﻲ. ﻛﻠﻤﺎ ارﺗﻔﻌﺖ ﻫﻮت ﺑﻨﺼﻒ اﻻرﺗﻔﺎع. ﻛﺎد أن ﻳﺘﻨﻔﺲ ﺻﻌﺪاء ﺟﺒﻞ اﻟﺴﺤﺎب اﻷﺧري. ﺑﻘﻲ أﻣﺎﻣﻪ ﺛﻼﺛﻮن ﻣﱰا وﻻ ﳾء أﻣﺎﻣﻪ ﺳﻮى اﻟﻘﺮار اﻟﺸﺠﺎع اﻷﺧري، ﻓﺠﺄة ﻳﻮاﺟﻪ ﺻﺨﺮة املﻮت اﻷﺧرية. ﻛﺎﻧﺖ ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ اﻷﻓﻮاه أﻗﻮى ﻣﻦ ﺻﻮت اﻻرﺗﻄﺎم املﻬﻮل. ﻫﻨﺎ ﻇﻬﺮ اﻟﺮاﻛﺐ اﻟﺨﻔﻲ. اﻟﻨﺎﺟﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﰲ رﺣﻠﺔ املﻮت. أﻛﻤﻞ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﰲ زﻣﻦ ﻻ ﺗﺤﺴﺒﻪ ﺣﺘﻰ اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ اﻟﺼﻐرية ﻣﻦ ﺑﻀﻊ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻟﻮاﺣﺪة. ﺧﺮج ﺳﺎملﺎ وﻟﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ أﺣﺪ. ﻟﻢ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺄﺣﺪ وﻟﻢ ﻳﺮﺳﻞ ﺑﻨﺖ ﺷﻔﺔ إﱃ آﻻف املﻨﺘﻈﺮﻳﻦ. ﻻ أﺣﺪ ﻳﻌﺮف أﻳﻦ ﺳﻴﺬﻫﺐ وﻋﲆ أي روح ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﺳﻴﻘﺒﺾ.
almosa@alwatan.com.sa