اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎر واﻟﻔﻘﺮ

ﻛﺸﻔﺖ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺘﻲ أﺟﺮﻳﺖ ﻣﺆﺧﺮا ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد أن ﻣﻦ اﻟﺼني إﱃ املﻤﻠﻜﺔ املﺘﺤﺪة، ﻳﻮاﺟﻪ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺎت اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ - ﺣﺘﻰ اﻷﻃﻔﺎل – إﻛﺮاﻫﺎ ﻫﺠﻮﻣﻴﺎ ﻋﲆ اﻋﺘﺰازﻫﻢ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ وﻋﲆ اﺣﱰاﻣﻬﻢ ﻟﺬاﺗﻬﻢ. وﻣﻊ ذﻟﻚ، ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻷدﻟﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ اﻟﻔﻘﺮ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ اﻟﻨﻔﴘ، ﻓﺈن اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻟﺞ اﻟﻔﻘﺮ ﻻ ﺗﺄﺧﺬ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺎر ﺑﻌني اﻻﻋﺘﺒﺎر. وﺑﺪﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ، ﺗﻤﻴﻞ ﺟﻬﻮد اﻟﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ إﱃ اﻟﱰﻛﻴﺰ ﻋﲆ املﻈﺎﻫﺮ املﻠﻤﻮﺳﺔ ﻟﻠﺤﺮﻣﺎن، ﻣﺜﻞ ﻧﻘﺺ اﻟﺪﺧﻞ أو اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ. وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ، ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﺗﻔﱰض اﻟﺤﻠﻮل ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ أن املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة املﺎدﻳﺔ أو ﺗﺤﺴني ﻇﺮوف املﻌﻴﺸﺔ ﺳﻮف ﻳﱰﺟﻢ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺎ إﱃ ﻓﻮاﺋﺪ ﻏري ﻣﻠﻤﻮﺳﺔ، ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺗﺤﺴني اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ. إن ﻋﺪم اﻟﱰﻛﻴﺰ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ »اﻟﻨﻔﴘ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ« ﻟﻠﻔﻘﺮ - اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑني اﻟﻘﻮى اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واملﻮﻗﻒ أو اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻔﺮدي - ﻫﻮ أﻣﺮ ﻣﻀﻠﻞ. وإذا أردﻧﺎ أن ﻧﺨﻔﻒ ﻣﻦ املﻌﺎﻧﺎة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻧﺤﻘﻖ ﻫﺪف اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ املﺴﺘﺪاﻣﺔ اﻷول ﻟﻸﻣﻢ املﺘﺤﺪة املﺘﻤﺜﻞ ﰲ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮ »ﺑﺠﻤﻴﻊ أﺷﻜﺎﻟﻪ« ﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ،2030 ﻓﺈن اﻟﺘﺼﺪي ﻟﻶﺛﺎر اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﺒﻬﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻔﻘﺮ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺟﻬﻮدﻧﺎ. وﺑﻐﻴﺔ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﻌﺎر املﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ، وﺗﻮﺿﻴﺢ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻳﻠﻌﺒﻪ اﻟﻌﺎر ﰲ إداﻣﺔ اﻟﻔﻘﺮ ﻳﺠﺐ اﺗﺨﺎذ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻮات اﻟﻼزﻣﺔ. ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ، ﻳﺠﺐ ﻋﲆ ﺻﻨﺎع اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت إدراك ﻫﺬه املﺸﻜﻠﺔ. وﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻌﺎر ﻣﻨﺘﺠﺎ ﻣﺆﺳﻔﺎ ﻟﻠﻌﻴﺶ ﰲ اﻟﻔﻘﺮ، ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﲆ ﻣﺨﻄﻄﻲ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ أن ﻳﻨﻈﺮوا ﰲ ﻛﻴﻔﻴﺔ إﺿﻌﺎف اﻟﻔﻘﺮ ﻟﻜﺮاﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن. وﻗﺪ ﺑني ﻋﺎِﻟﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اٍﻣﺎرﺗﻴﺎ ﺳني، اﻟﺤﺎﺋﺰ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻻﻗﺘﺼﺎد، وﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس دﻓﺎﻋﺎ ﻋﲆ اﻟﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ، ﻣﻨﺬ ﻓﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ، أن اﻟﻌﺎر ﻫﻮ ﻣﺤﺮك اﻟﻔﻘﺮ »املﻄﻠﻖ«. وﻳﺠﺐ أن ﻳُﺆﺧﺬ اﻟﻌﺎر ﻋﲆ ﻣﺤﻤﻞ اﻟﺠﺪ ﻛﺠﺰء ﻣﻦ أي اﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ ملﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻔﻘﺮ. وﻋﻼوة ﻋﲆ ذﻟﻚ، ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺆﺛﺮ اﻟﻌﺎر واﻧﻌﺪام اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﺗﺄﺛريا ﺳﻠﺒﻴﺎ ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻈﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺎس إﱃ ﻗﺪرﺗﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺘﻐﻴري، وإداﻣﺔ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻀﻌﻔﻬﻢ وﻳﺒﻘﻴﻬﻢ ﰲ اﻟﻔﻘﺮ ﻣﺪى اﻟﺤﻴﺎة. وﻹﻧﻘﺎذ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ آﻓﺔ اﻟﻔﻘﺮ، ﻳﺠﺐ أن ﺗﺄﺧﺬ اﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺎت اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﺑﻌني اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﻘﺪرات اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻄﻤﻮح واﻟﻜﻔﺎءة اﻟﺬاﺗﻴﺔ - اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻘﺪرة املﺮء ﻋﲆ اﻟﺘﺄﺛري ﰲ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺮ ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟﻔﺮد. وأﺧريا، ﻳﺠﺐ ﻋﲆ واﺿﻌﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت أن ﻳﺪرﻛﻮا أن اﻟﱪاﻣﺞ اﻟﺮاﻣﻴﺔ إﱃ اﻟﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ، إذا ﻟﻢ ﺗﻨﻔﺬ ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺰﻳﺪ ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺎر. ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل، وﺟﺪ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن اﻟﻌﺎﻣﻠﻮن ﰲ اﻟﻬﻨﺪ ﰲ ﻋﺎم 2005 أن اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻬﻨﺪﻳﺎت ﺗﻮﻗﻔﻦ ﻋﻦ اﻟﺬﻫﺎب إﱃ اﻟﻌﻴﺎدات اﻟﺼﺤﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺠﻨﺐ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠني اﻟﺼﺤﻴني املﻬﻴﻨﺔ - وذﻟﻚ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب ﺻﺤﺘﻬﻢ وﺻﺤﺔ أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ. وأﻋﺮﺑﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﰲ ﺟﻨﻮب إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ املﺘﻘﺪﻣﺎت ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﻨﺢ إﻋﺎﻟﺔ اﻟﻄﻔﻞ ﻋﻦ ﺗﺠﺎرب ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ، وﻛﺬﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ملﺴﺘﺨﺪﻣﻲ اﻟﺒﻨﻮك اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ ﰲ املﻤﻠﻜﺔ املﺘﺤﺪة. ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻗﺎل اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﺴﺘﺠﻮﺑني ﰲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ إن وﺻﻤﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻐﺬاء املﺠﺎﻧﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺪﻳﺪة ﻟﺪرﺟﺔ ﻛﺎن اﻟﺸﻌﻮر ﺑـ»اﻟﺨﻮف« و»اﻹﺣﺮاج« ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺸﱰﻛﺎ. وﻗﺪ اﻋﱰف اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﺤﺜﻮن ﰲ ﻣﺠﺎل املﻌﺎﻧﺎة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺄن »ﻛﺮاﻣﺔ املﺘﻠﻘني« ﻋﻨﴫ ﺣﺎﺳﻢ ﰲ اﻟﺘﺨﻔﻴﻒ اﻟﻨﺎﺟﺢ ﻣﻦ ﺣﺪة اﻟﻔﻘﺮ. ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل، ﺧﻠﺺ اﺳﺘﻄﻼع أﺟﺮي ﰲ ﻋﺎم 2016 ﻟﱪاﻣﺞ اﻟﺘﺤﻮﻳﻼت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﰲ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ إﱃ أن ﻏﻴﺎب اﻹﺟﻬﺎد واﻟﻌﺎر ﻳﻌﺰز ﺛﻘﺔ املﺘﻠﻘني، ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي إﱃ ﺗﺤﺴني ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺻﻨﻊ اﻟﻘﺮار واﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ. وﺑﻨﺎء ﻋﲆ ﻫﺬه اﻷدﻟﺔ ﺗﻮﺳﻊ ﺟﺎﻣﻌﺔ أوﻛﺴﻔﻮرد أﺑﺤﺎﺛﻬﺎ ﺣﻮل »اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﻌﺎر واﻟﻔﻘﺮ« ﻟﺪراﺳﺔ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻘﻄﺎع اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺪوﱄ ﺗﺠﻨﺐ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺎر ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺎت ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﻔﻘﺮ. إن اﻟﱪاﻣﺞ اﻟﺮاﻣﻴﺔ إﱃ اﻟﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ ﺗﺘﺤﺮك ﰲ اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺼﺤﻴﺢ، وﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ ﺑﺬل املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻮد ﻹدﻣﺎج اﻟﻌﻨﴫ اﻟﻨﻔﴘ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻔﻘﺮ ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت واﻟﺘﺨﻄﻴﻂ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺪرك ﺻﻨﺎع اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت ﺣﻘﺎ أن اﻟﻜﺮاﻣﺔ واﺣﱰام اﻟﺬات ﻫﻤﺎ ﴍﻃﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﰲ اﻟﻜﻔﺎح ﺿﺪ اﻟﺤﺮﻣﺎن - ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻣﻦ ﺣﺪﺗﻪ - ﺳﻴﻜﻮن ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻓﺮﺻﺔ راﺋﻌﺔ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﲆ اﻟﻔﻘﺮ ﺑﺠﻤﻴﻊ أﺷﻜﺎﻟﻪ. *ﻣﺪﻳﺮ ﻣﺸﺎرك ملﺮﻛﺰ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﰲ ﻣﻌﻬﺪ دراﺳﺎت اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ

)ﺑﺮوﺟﻜﺖ ﺳﻨﺪﻛﻴﺖ(