ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻨﺎ ﻣﻄﻠﻘﺔ

ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻌﺎﻧﻲ املﻄﻠﻘﺎت ﰲ اﻟﻌﺎدة ﻣﻦ ﻧﻈﺮة املﺠﺘﻤﻊ اﻟﺴﻮداوﻳﺔ ﻟﻬﻦ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻻﺗﻬﺎﻣﺎت املﺠﺤﻔﺔ واﻟﺘﺤﻠﻴﻼت ﻏري املﻨﻄﻘﻴﺔ ﰲ ﺣﻘﻬﻦ، ﺗﺘﺠﲆ أﻫﻤﻴﺔ إﻋﺎدة ﺗﻐﻴري وﺑﺮﻣﺠﺔ ﻫﺬا اﻟﺼﻮرة اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ ﻋﻦ املﺮأة املﻄﻠﻘﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد. وأﺧﺺ ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻲ املﻄﻠﻘﺔ ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ املﻄﻠﻖ، ﻧﻈﺮا ﻹﻋﻔﺎء اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة ﻋﲆ اﻷﻏﻠﺐ، واﻧﻜﺴﺎر ﺣﺪﺗﻬﺎ. ﻓﺒﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻮﺻﻒ املﺮأة ﺑﺄﺑﺸﻊ اﻟﺼﻮر ﺑﻤﺠﺮد اﻟﺘﻔﻜري ﰲ اﻻﻧﻔﺼﺎل. أﻧﺎﻗﺶ ﰲ ﻫﺬا املﻘﺎل دواﻋﻲ اﻻﻧﻔﺼﺎل املﻨﻄﻘﻴﺔ، وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺗﺒﻌﺎت اﻻﻧﻔﺼﺎل. ﺑﺪاﻳﺔ، إن أﺧﺬ ﻗﺮار اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻘﺮارات ﰲ ﺣﻴﺎة املﺘﺰوج، ﻧﻈﺮا ﻟﺘﺒﻌﺎﺗﻪ املﺆملﺔ ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺻﻌﺪة اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، وأﺣﻴﺎﻧﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ. إﻻ أﻧﻪ ﻳﻌﺪ اﻟﺨﻄﻮة اﻷﺧرية واﻟﺸﻌﺮة اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑني اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ وﺷﺒﻬﻬﺎ. ﻗﺪ ﻳﻌﱰض املﺘﺰوﺟني ﺳﺆال ﻣﻔﺼﲇ ﰲ ﻓﱰة ﻣﻦ ﻓﱰات ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ، وﻫﻮ: ﻫﻞ أﻛﻤﻞ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن؟ أو ﻫﻞ ﺳﺄﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﰲ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﺪى اﻟﺤﻴﺎة؟ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ إﱃ آﺧﺮ، ﺑﺎﺧﺘﻼف ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻬﻢ وأوﻟﻮﻳﺎﺗﻬﻢ وﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة، واﻟﴩﻳﻚ، وﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ املﺤﻴﻄﺔ، واﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ. ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل، ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎرﺗﻲ ﰲ أﻣريﻛﺎ ﺗﺘﻌﺮض إﱃ أﺷﺪ أﻧﻮاع اﻟﻌﻨﻒ اﻷﴎي، ﺑﺘﻌﺮﺿﻬﺎ ﻟﻠﴬب املﱪح ﺑﺼﻮرة ﺷﺒﻪ ﻳﻮﻣﻴﺔ، ﻓﺘﺎرة أرى ﻛﺪﻣﺎت ﻗﺮﻣﺰﻳﺔ ﰲ وﺟﻬﻬﺎ، وآﺛﺎر ﺟﺮوح ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻋﲆ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﺗﺎرة أﺧﺮى. ﻛﻢ ﺗﻤﻨﻴﺖ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻘﻦ ﻓﻦ املﻜﻴﺎج ﻹﺧﻔﺎء ﺗﻠﻚ اﻵﺛﺎر ﺑﺼﻮرة اﺣﱰاﻓﻴﺔ، ﺑﺬات إﺗﻘﺎﻧﻬﺎ إﺧﻔﺎء ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬﺎ. ﻋﻨﺪ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻲ ﻟﻬﺎ، ذﻛﺮت أن اﻟﻌﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ، وأن زوﺟﻬﺎ -املﺴﻜنيﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﺼﱪ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻋﲆ ﴏﺧﺎﺗﻬﺎ املﺘﻜﺮرة. ﻏﻀﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻷﻧﻬﺎ ﻓﻘﺪت ﺟﻨﻴﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺴﺎدس ﺑﺴﺒﺐ اﻟﴬب واﻟﺮﻛﻞ املﺘﻜﺮر، وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻠﻚ املﺮة اﻷوﱃ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻘﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻔﻼ ﻣﻜﺘﻤﻞ اﻟﺨﻠﻘﺔ ﺑﻞ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ. إﻻ أﻧﻨﻲ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ ﺻﺪﻳﻘﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻦ زوﺟﻬﺎ -املﺮﻳﺾ ﻧﻔﺴﻴﺎ- ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﱃ أﴎة أﻗﴗ وأﺑﺸﻊ ﺗﻌﺎﻣﻼ، وﺗﺠﺮم اﻟﻄﻼق، وﺗﻨﺒﺬ املﻄﻠﻘﺔ، ﻛﻤﺎ ﻻ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﺳﻮى ﺷﻬﺎدة اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ﰲ ﻣﻠﻔﻬﺎ، ﻓﻠﻦ ﺗﻘﻮى ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻘﻼل املﺎدي أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺗﺒﺎﻋﺎ. ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻳﺘﻀﺢ أن اﻹﺳﺎءة اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ واملﺮض ﻟﻴﺴﺎ ﻣﻦ دواﻋﻲ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺰﻳﺠﺎت، وﻗﺲ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﺎﻻت اﻟﺨﻴﺎﻧﺎت اﻟﺰوﺟﻴﺔ واﻟﻄﻤﻊ واﻟﺒﺨﻞ واملﺮض...إﻟﺦ. إذن، اﻟﻔﺎﺻﻞ ﻫﻮ املﻘﻴﺎس اﻟﺸﺨﴢ واﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻨﻔﴘ ﻟﻺﻧﺴﺎن وﻇﺮوﻓﻪ املﺤﻴﻄﺔ، ﻓﻜﻤﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻗﻮة ﺗﺤﻤﻞ اﻷﻟﻢ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ إﱃ آﺧﺮ، ﺗﺨﺘﻠﻒ دواﻋﻲ اﻟﻄﻼق ﻣﻦ ﺷﺨﺺ إﱃ آﺧﺮ أﻳﻀﺎ. ﻓﻤﻦ اﻷﺣﻮج ﻋﺪم اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺴﺒﻘﺎ ﻋﲆ أﺧﻼق املﻄﻠﻖ أو ﻋﺪم اﺣﺘﻤﺎﻟﻪ وﺻﱪه ﻋﲆ وﺿﻌﻪ اﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﺤﻤﻞ، ﻷن املﻘﺎرﻧﺔ ﺑني ﺷﺨﺺ وآﺧﺮ ﻟﺘﺸﺎﺑﻪ املﺴﺒﺐ ﻟﻦ ﻳﺠﺪي ﻧﻔﻌﺎ، ﻧﻈﺮا ﻻﺧﺘﻼف اﻟﺒﻨﻰ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ﻟﻠﻤﺴﺒﺐ ﰲ ﺣﻴﺎة ﻛﻞ ﺷﺨﺺ. ﻓﺘﱰدد ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻣﻊ ﻣﻦ ﺗﺘﻌﺮض إﱃ اﻟﴬب ﻟﺠﻤﻞ ﻋﻘﻴﻤﺔ ﻛـ»اﺣﻤﺪي اﻟﻠﻪ، ﻓﻐريك زوﺟﻬﺎ ﻣﺪﻣﻦ ﻣﺨﺪرات أو ﺧﺎﺋﻦ أو ﻣﺠﺮم... إﻟﺦ«. ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻟﻪ ﻣﻄﻠﻖ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ أن ﻳﺼﱪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ، وﻳﺤﺐ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻌﻴﻮﺑﻪ، ﻓﻠﻴﺲ ذﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎ ﻣﻘﻨﻌﺎ، وﻻ ﺗﻌﺪ ﻧﺼﻴﺤﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻣﻦ أﻓﻮاه ذوي اﻟﺨﱪة ﰲ اﻟﺤﻴﺎة. ﻛﻤﺎ ﺗﻌﱰض اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﻔﻜﺮ ﰲ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﺗﺒﻌﺎت ﺗﺴﻬﻢ ﰲ ﺗﺄﺟﻴﻞ أﺧﺬ ﻫﺬا اﻟﻘﺮار أو اﻟﻌﺪول ﻋﻨﻪ، ﻟﺨﻮﻓﻪ ﻣﻦ ردود اﻷﻓﻌﺎل املﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﻪ، أو ﻧﻈﺮة وﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ اﻟﻘﺮﻳﺐ أو اﻟﺒﻌﻴﺪ، أو ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻣﻌﻪ ﻋﻘﺐ اﻻﻧﻔﺼﺎل. ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن املﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻛﺎﻷب واﻷم واﻹﺧﻮة ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺘﻔﻬﻢ واﻟﺪﻋﻢ، ﺑﻌﻜﺲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻛﺎﻷﻗﺮﺑﺎء واﻷﺻﺪﻗﺎء وﻣﺤﻴﻂ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺪون ﻟﻪ ﻋﺘﺎد اﻟﺤﺮب ﻗﺒﻞ وﻗﻮﻋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺒﺬ واﻹﻗﺼﺎء. واﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ، ﻓﺒﻌﺾ اﻟﻌﻮاﺋﻞ ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻮﻗﻮع اﻟﻄﻼق، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻃﺎﻟﺒﻪ ﻳﺘﻌﺜﺮ ﻋﻦ إﻳﺠﺎد ﻣﻌﻨﻰ وﺳﺒﺐ ﻟﻠﺒﻘﺎء ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة. ﰲ رأﻳﻲ، ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻟﺪﻳﻪ ﻃﺎﻗﺔ اﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻴﺔ وﻣﻘﻴﺎس ﺻﱪ وﻋﻄﺎء، وﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﰲ اﻟﺰواج ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ، وﻋﲆ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺘﺒﻌﺎت املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮار املﺘﺨﺬ. ﻧﻬﺎﻳﺔ، أﻧﺎ ﻻ أرّوج ﻟﻠﻄﻼق ﻛﻤﺒﺪأ ﺑﺘﺎﺗﺎ، وﻟﻜﻨﻨﻲ أرّوج ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺴﻌﻴﺪة واﻷﻣﺎن ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺰواج وﻋﺪﻣﻪ، ﻓﻤﺘﻰ ﺷﻌﺮ اﻹﻧﺴﺎن أن ﴍﻳﻚ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻠﺠﺄ وﻣﺴﺘﻘﺮ ﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ، ﻓﺴﺘﺴﻤﻮ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺠﻤﻴﻊ اﻷﻃﺮاف ﺑﺎﺧﺘﻼف ﻣﺴﻤﺎﻫﺎ. ﻫﻲ ﺣﻴﺎة واﺣﺪة، ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻧﺤﺐ؟ sohoub@alwatan.com.sa