ﻣﺎذا ﻳﺮﻳﺪون ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ وﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻇﻬﺮ ﺟﻠﻴﺎ أن ﻫﻨﺎك ﻣﺆاﻣﺮة ﺗﻬﺪد وﺣﺪﺗﻨﺎ وﺑﻘﺎءﻧﺎ، وأن اﻟﺨﻄﺎب اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻤﺘﺤﻤﺲ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﻌﺪوة ﻓﻲ ﺗﻮﻇﻴﻔﻪ ﻟﻴﺨﺪم ﻣﺆاﻣﺮاﺗﻬﺎ
ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻨﻲ ﳾء ﻣﻦ أن أﻗﻮل: إن املﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ دوﻟﺔ أوﺟﺪﻫﺎ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﱃ ﻣﻦ ﻋﺪم؛ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ وﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺬﻟﻚ، واﻟﻨﻈﺮ اﻟﺜﺎﻗﺐ ﻳﺆﻛﺪ أن ﻇﺮوف ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﻨﺠﺎح ﰲ ﺗﻜﻮﻳﻦ دوﻟﺔ؛ وﻛﻞ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ وﻣﺎ ﻣﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﺣﺪاث ﺟﺴﺎم ﺗﺠﺎوزﻫﺎ املﺆﺳﺲ ـ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ـ ﻣﻨﺘﴫا، ﻛﺎﻟﺸﻨﺎﻧﺔ وروﺿﺔ ﻣﻬﻨﺎ وﺿﻢ اﻷﺣﺴﺎء وﺣﺎﺋﻞ واﻟﺤﺠﺎز، ﺗﺆﻛﺪ أن اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻘﺪرﻳﺔ اﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻛﺎﻹﺧﻼص ﻟﻠﻪ وﻗﺼﺪ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ واﻹﻳﻤﺎن واﻟﺘﻘﻮى ﻓﻴﺜﻴﺐ ـ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ـ ِﱠ
ﱠَ ﱠّ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻤﻜني اﻹﻟﻬﻲ ﴿ َوَﻋ َﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺬﻳﻦ آ َﻣﻨﻮا ﻣﻨﻜﻢ َوَﻋﻤﻠﻮا اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت
َﱠَُ َِ ََ ﻟﻴَﺴﺘﺨﻠﻔﻨﻬﻢ ﰲ اﻷرض ﻛَﻤﺎ اﺳﺘﺨﻠﻒ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻢ َوﻟﻴَﻤﻜﻨﻦ ﻟﻬﻢ دﻳﻨﻬﻢ
ُِﱠَ ُِ اﻟﺬي ارﺗﴣ ﻟﻬﻢ َوﻟﻴﺒَﱢﺪﻟﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺑَﻌﺪ ﺧﻮﻓﻬﻢ أﻣﻨﺎ ﻳَﻌﺒﺪوﻧﻨﻲ ﻻ ﻳﴩﻛﻮن ﺑﻲ ﺷﻴﺌﺎ َوَﻣﻦ ﻛﻔﺮ ﺑَﻌَﺪ ذﻟﻚ ﻓﺄوﻟﺌﻚ ﻫﻢ اﻟﻔﺎﺳﻘﻮن﴾ ]اﻟﻨﻮر: .[55
وﻛﺬا إرادة اﻟﺤﻜﻴﻢ ـ ﻋﺰ وﺟﻞ ـ ِﻋﱠﺰ اﻟﺤﺮﻣني وﺣﻔﻆ ﺟﻨﺎب اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ورﻓﻌﺔ ﺷﻌﺐ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﻌﺰة ﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ إﻻ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺴﻌﻮدي ﰲ أﻃﻮاره اﻟﺜﻼﺛﺔ؛ ﻫﺬه اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻘﺪرﻳﺔ اﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻳﺪرك ﻛﻞ ﻣﺘﺪﺑﺮ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﺪوﻟﺔ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻗﻮى ﺣﻀﻮرا ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب املﺎدﻳﺔ اﻟﺤﱢﺴﻴَﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﻳﺰ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ؛ وﻛﺎن أﻛﺜ ُﺮ ﺧﺼﻮﻣﻪ أﻗﻮى ﻣﻨﻪ اﻣﺘﻼﻛﺎً ﻟﻬﺬه اﻷﺳﺒﺎب ﻣﻦ ُﻋ ﱠﺪ ٍة وﻋﺘﺎ ٍد وﺑﻴﺌﺔ ﻗﺘﺎﻟﻴﺔ وأﻧﺼﺎر.
واﻷﺳﺒﺎُب ﺟﻤﻴُﻌﻬﺎ، ﻏﻴﺒﻴًﺔ ﻛﺎﻧﺖ أم ﺣﺴﻴﺔ، ﻳﻠﺰم ﻣﻦ وﺟﻮدﻫﺎ اﻟﻮﺟﻮد ﻛﻤﺎ ﻳﻠﺰم ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻬﺎ اﻟﻌﺪم؛ ﻓﺄي ﻧﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻔﻮق ﻋﻠﻤﻲ أو ﻋﻤﲇ أو ﺣﻀﺎرة أو دوﻟﺔ ﻓﺒﻘﺎؤه ﻣﺮﻫﻮن ﺑﺒﻘﺎء ﺳﺒﺒﻪ، واﻧﻌﺪام ﺳﺒﺒﻪ ﺳﺒﺐ ﻻﻧﻌﺪاﻣﻪ.
ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﴐة ﰲ ذﻫﻦ املﺆﺳﺲ وأﺑﻨﺎﺋﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه، ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﺜﻨﻬﻢ أي ﺿﻐﻮط دوﻟﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﴩﻳﻌﺔ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺤﻴﺎة، واﻟﺘﴫﻳﺢ املﺴﺘﻤﺮ ﰲ ﻛﻞ املﺤﺎﻓﻞ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺼﺪر اﻟﺘﴩﻳﻊ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد، وﻗﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺣﺎﺋﻼ دون اﻧﻀﻤﺎﻣﻬﺎ إﱃ ﺑﻌﺾ اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎت واملﻨﻈﻤﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ، ﻛﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻣﺖ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﺑﻄﻠﺐ ﻋﻀﻮﻳﺘﻬﺎ ﻋﺎم 1393 ﻫـ وﻟﻢ ﺗﺘﻢ املﻮاﻓﻘﺔ ﻋﻠﻴﻪ إﻻ ﻋﺎم 1426 ﻫـ أي ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ وﺛﻼﺛني ﻋﺎﻣﺎ، وﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺧري ﺛﺒﺎت ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺪوﻟﺔ املﺘﺤﻔﻆ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ اﻟﴩﻳﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﻮاﻧني، وﺗﻢ ﻣﺆﺧﺮاً رﺿﻮُخ اﻟﺪول اﻷﻋﻀﺎء ﻟﻠﺘﺤﻔﻈﺎت اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻟﺘﺼﺒﺢ اﻟﻌﻀﻮ رﻗﻢ ؛149 وﻇﻠﺖ اﻟﺪوﻟﺔ وﻋﻠﻤﺎء اﻟﴩﻳﻌﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ وﺋﺎم واﻧﺴﺠﺎم ﺗﺎﻣني ﻳﻌﺮف ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻓﻀﻞ اﻵﺧﺮ، ﻓﺎﻟﻌﻠﻤﺎء ﻳﺴﻤﻌﻮن وﻳﻄﻴﻌﻮن وﻳﺤﻀﻮن اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻟﺰوم اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ؛ واﻟﻘﻴﺎدة ﺑﺪورﻫﺎ ﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻨﺼﺢ اﻟﻌﻠﻤﺎء وﺗﺴﺘﺸريﻫﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ رأي اﻟﴩع ﻓﻴﻪ؛ وﻻ ﻳﻨﻔﻚ وﱄ اﻷﻣﺮ ﻋﻦ ﺗﻘﺮﻳﺒﻬﻢ وﻣﺪاوﻣﺔ اﻻﻟﺘﻘﺎء ﺑﻬﻢ، وإﻧﺰال رأﻳﻬﻢ ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر.
وأﻧﺸﺌﺖ أﻋﲆ وﺛﻴﻘﺔ دﺳﺘﻮرﻳﺔ ﺗﺮﺑﻂ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻈﻤﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﴩﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﴩﻳﻦ ﻣﺎدة ﻣﻦ ﻣﻮادﻫﺎ اﻟﻨﺎﺋﻔﺔ ﻋﲆ اﻟﺜﻤﺎﻧني.
وﻛﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ذﻟﻚ ﺷﻴﻮع اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻋﲆ أﻣﻮر اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑني اﻟﻨﺎس، وﺛﻘﺔ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﺪﻣﻪ اﻟﺪوﻟﺔ وﻣﺎ ﺗﻘﺮره، وﻓﺨﺮ واﻋﺘﺰاز ﻋﻈﻴﻤﺎن ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎء ﻟﻬﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﻳﺮﺑﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻵﺑﺎُء اﻷﺑﻨﺎَء ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎء إﱃ اﻟﻠﻪ املﺄﻟﻮف ﺑني اﻟﻨﺎس »اﻟﻠﻪ ﻳﻌﺰ اﺑﻦ ﺳﻌﻮد«. وﻗﺪ ﺗﻤﻴﺰ اﻟﻌﻠﻤﺎء إذ ذاك ﰲ ﺳﻠﻮﻛﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﻘﻴﺎدة ﺑﺄﻣﻮر ﻣﻨﻬﺎ: ﻋﺴريا. اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ، ﻓﻼ ﻳﻜﻠﻔﻮن اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻤﻮن أن ﻇﺮوف اﻟﺤﺎل واملﺂل ﺗﺤﻮل دوﻧﻪ أو ﺗﺠﻌﻠﻪ
ﻓﻴﻪ. ﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎدة، ﻓﻴﻌﻠﻤﻮن أن ﻣﻘﺼﺪﻫﺎ اﻟﺨري وإن اﺧﺘﻠﻔﻮا ﻣﻌﻬﺎ، وﻳﻠﺘﻤﺴﻮن ﻟﻬﺎ اﻟﻌﺬر ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺎﻟﻔﻮﻧﻬﺎ
اﻟﺘﺒني. اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻓﻴﻤﺎ ﻳَِﺮدُﻫﻢ واﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ إﺻﺪار اﻷﺣﻜﺎم واﻵراء ﰲ ﻗﺮارات اﻟﺪوﻟﺔ وﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻬﺎ ﻗﺒﻞ
اﻟﺼﻮاب. اﻟﻌﺪل ﻣﻊ اﻟﺤﻜﺎم، ﻓﻜﻤﺎ ﻳﻨﺎﺻﺤﻮﻧﻬﻢ ﰲ اﻷﺧﻄﺎء ﻳﺜﻨﻮن ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻨﺠﺰوﻧﻪ ﻣﻦ - اﻹﴎار ﺑﺎﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ﻟﺘﻘﻊ ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﻮل واﻟﻌﻤﻞ. وﻻ ﻳﺰال ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ ﺑﻼدﻧﺎ ﺑني اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﺤﻜﺎم؛ إﻻ أﻧﻪ ﻇﻬﺮت ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎة ﺗﺄﺛﺮوا ﺑﻤﻨﺎﻫﺞ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻓﺴﻠﻜﻮا ﻣﺴﻠﻜﺎ ﻣﻐﺎﻳﺮاً ملﻨﻬﺞ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺮاﺳﺨني؛ ﻓﻜﺎﻧﻮا ﺣﺎملني ﰲ ﻣﻄﺎﻟﺒﺎﺗﻬﻢ، ﻳَُﻐﱢﻠﺒُﻮن ﺳﻮء اﻟﻈﻦ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺎت اﻟﺪوﻟﺔ وﻗﺮاراﺗﻬﺎ، ﻣﺘﻬﺎﻓﺘني ﻋﲆ اﻟﺸﺎﺋﻌﺎت، ﻳﻌﺘﻨﻮن ﺑﺘﻀﺨﻴﻢ اﻟﻨﻘﺎﺋﺺ واملﺜﺎﻟﺐ ﻣﻮﺟﻬني ﺧﻄﺎﺑﻬﻢ ﻧﺤﻮ اﻟﺠﻤﺎﻫري؛ وﻗﺪ أﺳﻬﻢ ﻫﺆﻻء ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ ﺧﻄﺎب دﻳﻨﻲ ﺗﻌﺒﻮي ﺿﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻮﺟﻮدا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ إﻻ ﻋﻨﺪ ﻓﺌﺎت ﻳﺴرية ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻠﺔ، وﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻟﺪى اﻟﻘﻮﻣﻴني واملﺎرﻛﺴﻴني، أﻣﺎ ﻃﻠﺒﺔ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﴩﻋﻲ ﻓﻜﺎن ﻫﺬا اﻟﺨﻄﺎب ﺟﺪﻳﺪا ﻓﻴﻬﻢ؛ واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺴﻮء؛ ﻓﻤﻨﻬﺎ: أﻧﻬﺎ أﺳﻬﻤﺖ ﰲ ﻋﺰل ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺞ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺮاﺳﺨني وﺷﺤﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺿﺪ اﻟﺪوﻟﺔ وﺿﺪ أﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ، ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﻢ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﺳﻬﻠﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻟﺘﻜﻔريي ﻣﻊ أن ﻏﺎﻟﺐ أوﻟﺌﻚ اﻟﺪﻋﺎة ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺗﻜﻔريﻳني، وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻣﻮاﻗﻒ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺘﻜﻔريي؛ ﻟﻜﻦ اﻟﺸﻘﺎق ﻟﻪ ﺑﺬرة وﺷﺠﺮة وﺛﻤﺮة؛ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﺗﺸﺪﻳﺪ اﻟﻀﻮاﺑﻂ واﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎت ﻋﲆ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺪﻋﻮي واﻹﻏﺎﺛﻲ واﻟﺸﺒﺎﺑﻲ، واﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻣﺘﺎﺣﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﻧﻈري ﻟﻪ؛ إﻻ أن اﺳﺘﻐﻼل ﻫﺬه اﻟﺴﻤﺎﺣﺔ ﰲ اﻟﻨﻈﺎم ﻟﺘﻜﺜﻴﻒ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺘﻌﺒﻮي اﺿﻄﺮ اﻟﺪوﻟﺔ إﱃ ﺗﻜﺜﻴﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻀﻮاﺑﻂ؛ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ إﺿﻌﺎف ﺛﻘﺔ ﺑﻌﺾ اﻷﺟﻬﺰة اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺷﻄني ﰲ اﻟﻌﻤﻞ اﻹﺳﻼﻣﻲ واﻟﺪﻋﻮي، وﻛﺎن ﻟﺪى ﻫﺬه اﻷﺟﻬﺰة ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻣﺎ ﺗﺘﻜﺊ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺘﱪﻳﺮ ﺗﻮﺟﺴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻐﻠﻬﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ ﻧﺎﺷﻄﻲ أدﻋﻴﺎء اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻠﻴﱪاﱄ ملﺤﺎوﻟﺔ ﺗﺸﻮﻳﻪ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺪﻋﻮي ﺑﺄﴎه واﻟﺘﻮﺟﻪ اﻟﺴﻠﻔﻲ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص، ﺑﻞ وﺻﻞ اﻟﺘﺠﻨﻲ ﺑﻬﻢ إﱃ اﻟﻘﺪح ﰲ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻨﺸﺎﻃﺎت اﻟﱰﺑﻮﻳﺔ، وﻗﺪ ﻋﻤﻠﻮا ﺑﺬﻟﻚ ﻋﲆ زﻳﺎدة اﻟﻔﺠﻮة ﺑني أﺟﻬﺰة اﻟﺪوﻟﺔ وﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺷﻄني اﻹﺳﻼﻣﻴني، ﺑﻞ وﺗﺸﻮﻳﻪ ﺻﻮرة اﻟﺪوﻟﺔ أﻣﺎم ﺷﻌﺒﻬﺎ وأﻣﺎم اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ، ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻠﻴﱪاﱄ اﻟﻨﺎﻋﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﻴﺎر اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺤﺮﻛﻲ ﰲ أﺛﺮه اﻟﺴﻴﺊ ﻋﲆ اﻻﻧﺴﺠﺎم اﻟﻌﺎم وإن اﺧﺘﻠﻔﺎ ﰲ اﻷﺳﻠﻮب واملﻨﻄﻠﻘﺎت.
واﻟﻴﻮم وﺑﻌﺪ ﻣﴤ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻘﻮد ﻻ ﻳﺰال أﺛﺮ ذﻟﻚ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺘﻌﺒﻮي اﻟﺴﻠﺒﻲ ﻗﺎﺋﻤﺎ ﻋﲆ ﻓﺌﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺑﻌﺾ ﻣﺆﺳﴘ ذﻟﻚ اﻟﺨﻄﺎب ﻗﺪ ﻫ ﱠﺪأ ﻣﻦ ﻟﻬﺠﺘﻪ أو ﺗﺮاﺟﻊ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻟﺼﺎﻟﺢ املﻨﻬﺞ اﻟ ُﻌ َﻠ َﻤﺎ ِﺋﻲ اﻷﺻﻴﻞ أو اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻮﻃﻨﻲ؛ ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻬﺪﺋﺔ أو ذﻟﻚ اﻟﱰاﺟﻊ ﻟﻢ ﻳﺆﺛﺮا إﻳﺠﺎﺑﺎ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ املﻄﻠﻮب؛ ﻓﻘﺪ ﺑﻘﻴﺖ روح اﻟﺸﻚ ﰲ اﻟﺪوﻟﺔ وﺗﺠﺎﻫﻞ ﺣﺴﻨﺎﺗﻬﺎ وﺗﻌﻈﻴﻢ وإﺷﺎﻋﺔ أﺧﻄﺎﺋﻬﺎ ﺣﺎﴐة ﰲ اﻟﺨﻄﺎب املﻨﺴﻮب إﱃ اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺼﺤﻮة؛ وﻗﺪ ﺗﺠﲆ ﺧﻄﺮه ﰲ ﻇﻞ اﻟﻈﺮوف اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮ ﺟﻠﻴﺎ ﻓﻴﻬﺎ أن ﻫﻨﺎك ﻣﺆاﻣﺮة ﺗﻬﺪد وﺣﺪﺗﻨﺎ وﺑﻘﺎءﻧﺎ، وأن اﻟﺨﻄﺎب اﻹﺳﻼﻣﻲ املﺘﺤﻤﺲ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﻌﺪوة ﰲ ﺗﻮﻇﻴﻔﻪ ﻟﻴﺨﺪم ﻣﺆاﻣﺮاﺗﻬﺎ.
وﻗﺪ أﺳﻬﻢ ﰲ ﺑﻘﺎء ذﻟﻚ اﻟﺨﻄﺎب وآﺛﺎره اﻟﺴﻴﺌﺔ ﻋﺎﻣﻼن، اﻷول: رداءة إﻋﻼم اﻟﺪوﻟﺔ أو اﻹﻋﻼم املﺤﺴﻮب ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻋﺪم وﻋﻴﻪ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي وﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻘﻮل وﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن ُِ ﻳﻘﺮﻫﺎﰲ اﻟﻀﻤري اﻟﺸﻌﺒﻲ؛ ﺑﻞ اﺷﺘﻐﻞ ﺑﻔﺠﺎﺟﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﰲ إرﺳﺎل رﺳﺎﺋﻞ ﻣﻨﺎﻗﻀﺔ ملﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮن وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﻮﺟﻪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي زاد ﻣﻦ اﺗﺴﺎع اﻟﺨﺮق ﻋﲆ اﻟﺮاﻗﻊ.
اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻵﺧﺮ: أن اﻟﺪﻋﺎة اﻟﺬﻳﻦ اﻋﺘﺪﻟﺖ ﻣﻮاﻗﻔﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮوا ذﻟﻚ ﺑﺸﻜﻞ ﻗﻮي ﻳﻜﺎﻓﺊ ﻗﻮة اﻷزﻣﺔ، وﻳﺴﺎوي ﻗﻮة ﺧﻄﺎﺑﻬﻢ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺪوﻟﺔ.
املﻬﻢ أﻧﻨﺎ اﻟﻴﻮم وﰲ ﻇﻞ اﻟﺤﺮب اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﻋﲆ ﺑﻼدﻧﺎ وأﻳﻀﺎ ﰲ ﻇﻞ املﺸﺎرﻳﻊ اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪف إﱃ إﺿﻌﺎﻓﻨﺎ وﺗﻘﺴﻴﻤﻨﺎ وإﺳﻘﺎﻃﻨﺎ ﰲ أﻣﺲ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ أﻣﻮر ﻳﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﺗﻐﻴﺐ ﻋﻨﺎ ﻗﺎدة وﻣﻮاﻃﻨني:
اﻷول: اﻟﻌﻮدة ﺑﻘﻠﻮﺑﻨﺎ وأﺑﺪاﻧﻨﺎ إﱃ ﻣﺎ ﻣﻜﻦ اﻟﻠﻪ ﻟﻬﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ، وﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻘﺪرﻳﺔ اﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻤﻜني اﻟﺪﻳﻦ واﻹﻳﻤﺎن واﻹﺧﻼص ﻟﻘﻮل اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﱃ: ﴿ َوإِن ﺗَﺘَ َﻮﱠﻟﻮا ﻳَﺴﺘَﺒ ِﺪل َﻗﻮًﻣﺎ َﻏريَُﻛﻢ ﺛُﱠﻢ ﻻ ﻳَﻜﻮﻧﻮا أَﻣﺜﺎَﻟُﻜﻢ﴾ ]ﻣﺤﻤﺪ: ،[38 وﻛﻤﺎ أن اﻟﺨﻄﺎب ﰲ اﻵﻳﺔ ﻟﻴﺲ ﻣﻮﺟﻬﺎ ﻟﻔﺌﺔ ﻣﻦ املﺆﻣﻨني دون أﺧﺮى، ﻓﻠﻴﺴﺖ املﺴﺆوﻟﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﻮدة إﱃ اﻟﻠﻪ ﻣﻘﺘﴫة ﻋﲆ اﻟﺪوﻟﺔ أو ﻣﻘﺘﴫة ﻋﲆ املﺠﺘﻤﻊ، ﺑﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺴﺆول أﻣﺎم اﻟﻠﻪ ﺛﻢ أﻣﺎم ﻋﺒﺎده.
اﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺛﺒﺎت اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﲆ املﻨﻬﺞ اﻷﺻﻴﻞ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ واﻟﺬي أوﺿﺤﺘُﻪ أوَل ﻫﺬا املﻘﺎل.
اﻟﺜﺎﻟﺚ: اﺗﺨﺎذ اﻟﻨﻈﺎم اﻷﺳﺎﳼ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻧﱪاﺳﺎً ﻳُﺴﺘََﻀﺎء ﺑﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﺪر ﻣﻦ أﻧﻈﻤﺔ أو ﺗﻨﻈﻴﻤﺎت أو ﻧﺸﺎﻃﺎت ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ أو اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
اﻟﺮاﺑﻊ: اﻟﺘﺰام اﻟﻨﺨﺐ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻘﻠﻢ واﻟﻠﺴﺎن ﻣﻦ ﻣﺜﻘﻔني ودﻋﺎة وإﻋﻼﻣﻴني ﺑﻤﻨﻬﺞ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﺎدل، وﺗﻘﺒﻞ أﺟﻬﺰة اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻘﺪ ﺑﺮوح املﺴﺘﻔﻴﺪ، وﺗﺼﺤﻴﺢ ﻣﺴﺎر اﻹﻋﻼم اﻟﺬي ﻣﻦ واﺟﺒﻪ أن ﻳﻜﻮن إﻋﻼﻣﺎ ﻟﻸﻣﺔ ﻻ إﻋﻼﻣﺎ ﻟﻔﺮﻳﻖ ﺑﻌﻴﻨﻪ.