Al-Watan (Saudi)

مؤسسة منضبطة

-

توفي الأســد الأب وخلّف وراءه مؤسســة دينية منضبطة بإيقاع النظام الذي رســخ قواعده بنفسه، وخلف رجال دين زاهدين بالمجال العام، أو منخرطين فيه وفق شروط الاســتئنا­س الصارمة، وعندما ورث نجله بشار السلطة عام 2000، أغراه هذا الضبط الفائق للمؤسسة الدينية السنية، فلم ينلها اهتمامــه الإصلاحي، وعــلى العكس فقد تعامل معها لا على أنها مؤسسة مستأنسة ومروّضة حسب قاعدة الترهيب والترغيب، بل بوصفها مؤسســة ملحقــة بالنظام يســتخدمها لأغراضه ولا يمنحها مقابل، عليه الأمــر وعليها الطاعة، كان هذا بمثابة تحول استراتيجي في التعامل مع المؤسسة الدينية. على ســبيل المثال فإن اختيار شــخصية براغماتية فاقدة للشــعبية لمنصب مفتي الجمهورية (الشيخ الواعظ أحمد حسون) بغض النظــر عن اعتراض علمــاء الدين ورأيهم القادح فيه وفي علمه كان على أساس النظر إلى مؤسسة الإفتاء بوصفها مؤسسة تابعة للنظام، وليست مؤسسة أهلية تنتظم إدارياً في سلك حكومي، إن قوة المفتي هي في كونه يمتلك مصداقية لدى مواطنيه، غير أن الأسد الابن ضحى بأهم صفة للمفتي وهي مصداقيته الدينية والشــعبية (ثقة الناس به كمرجع ديني) فقــط لمعيار ولائه غير المحدود للنظام وتوافقه الشخصي مع الأسد. على هذه القاعدة الاستراتيج­ية في النظر إلى المؤسسة الدينية ورجالاتها سمح الأسد الابن للمؤسسة الشــيعية بالعمل بكامل حريتها وبتســهيلا­ت غير عادية، لأغراض سياسية وقناعات شخصية. وعلى سبيل المثال فإن إصرار الأجهزة الأمنية على الاعتقال والحكم بأحكام قاسية لمجرد الانتســاب الفكري للتيار السلفي وبدون أي عمل مادي ضد النظام منذ تولي الأســد الابن الســلطة وحتى اليوم، في مقابل ترك المجال مفتوحاً أمام النشــاط التبشــيري الشــيعي بدون حساب في الوقت نفسه بما فيه من استفزاز اجتماعي بالغ، وحساسية للمؤسســة الدينية وطبقة رجال الدين لا يعني سوى أن المنظور الأمني الاستلحاقي للمجال الديني ومؤسساته ورجاله هو الذي يتحكم في فكر صانع القرار.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia