Al-Watan (Saudi)

أسس سياسية

-

تفســير قضية النشاط التبشيري الشيعي المتزايد في ســورية لا يمكن فهمه بشكل جيد بمعزل عن الأســس السياسية التي حكمت العلاقة بين المجال الديني والفضاء العام في نظام الأســد الأب والأسد الابن، ذلك أن هذه القضية تتعلق أساساً بهذين العهدين بشكل خاص. لم يخرج الأسد – بعد انقلابه في 16 أكتوبر 1970 عن نموذج جمهورية البعث، لكنه قام بمأسسة موقع الرئيس بشكل رسمي كموقع وحيد للقــرار انطلاقاً من تعديل الدستور 1973، ليجمع كل مراكز القوة بيده. كان الصراع مع المؤسسات الدينية وطبقة رجال الدين يتصاعد بجوار عملية تطييف واسعة أكمل فيها الأسد مسيرة التطييف لدولة البعث منذ 1963 وقام بتعديتها إلى تطييف أجهزة الأمن ومراكز القرار، إلى أن حدث الانفجــار الكبير في الفترة 1978 – .1982 بانتهاء أحداث الثمانينيا­ت أكمل الأســد إضعاف جميع مؤسسات المجتمع المدني (بما فيها المؤسسة الدينية) وإقصائها عن الفعل العام، وبشكل خاص استطاع حسم الصراع مع المؤسسة الدينية ورجال الدين وإنهائه بشكل كامل. كان الأسد يعرف أن القوة التي يتمتع بها رجال الدين تأتي من خلال إيمان الناس بهم، واعتقاداته­م الدينية، ولمعرفة الأسد أنه ليس بمقدور أحــد مواجهة الحقيقة الاجتماعية الإنسانية المتمثلة في الدين، فقد قرر اتباع اســتراتيج­ية الاستئناس المبنية عــلى نقطتين، أولاها ألا تكون المؤسســة قادرة على اتخاذ قرار مستقل فيما يخص النشــاط العام، وذلك بإخضاعها في كل صغيرة وكبيرة لنظــام الموافقات الأمنية والمراقبة المشددة. وثانيها ضبط النشاط الخاص بها ومنعها من القيام بنشــاطات مستقلة من خلال خضوعهــا للقرارات الإداريــة المصممة بعناية في »مؤسســة الرئاسة« )ممثلة في نائب الرئيس لشــؤون التربية والتعليم) وأن يكون محكومــاً بالخطوط الحمراء المحرمة على جميع السوريين التي تشرح معنى عدم الاقتراب بأي شكل من الأشكال من المجال السياسي. على أساس هذه الاستراتيج­ية تعامل الأسد الأب بكثير من الحذر مع النشاط التبشيري الشيعي، فمن جهة لا يرغب الأسد إطلاقاً باستفزاز المؤسسة الدينية السنية ورجالات الدين، إذ خَبِر الأسد مرارة المواجهة الدينية لنظامه في أحداث بداية الثمانينيا­ت، ومن جهة أخرى كان يريد للمؤسسة الدينية أن تبقى في الخط المرســوم لها وضمن إطار حفاظها على اســتقرار النظام بالطريقة التي رسمها لها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia