Al-Watan (Saudi)

التعليم وتطوير المناهج

- خالد العضاض

من الضرورة العمل على تطوير المناهج الدراسية، وتغييرها بما يناسب العصر، ووفقا لمتطلبات المرحلة حضاريا واقتصاديا وسياسيا، لتكون ذات محتويات مهنية تعطي مخرجات يحتاجها سوق العمل

التعليم أحد أهم أسس التنمية، ومؤثر رئيس على المستقبل القريب، والبعيد، وهو من أهم الملفات التي ستغير وجه وملامح السعودية الجديدة، إذ تتضمن المنظومة التعليمية، البنية التربوية ومكوناتها ومراحلها، وتؤدي هذه المنظومة دورا هو الأساس في التنمية الشاملة بمختلف معطياتها ونواتجها، إذ إن الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها، وهو الأمر الذي أكدته اليونيسكو في »مؤتمر داكار- السنغال عام 1999« عندما حددت الارتباط بين أهداف التعليم والتنمية، خلال إعداد الإنسان المتعلم وإكسابه المعلومات والمهارات، من أجل العمل والإنتاج، والتعايش وتحقيق الذات، وتحفيزه لاستخدام قدراته في الابتكار والتنافسية، ولا يمكن تحقيق ذلك ما لم تكن العملية التعليمية عالية الطراز، متكاملة الأركان، متقنة في جميع جوانبها، وما تتضمنه من بُنى تربوية مدمجة فيها، وفي الوقت ذاته قادرة على التواؤم مع حاجات الفرد والمجتمع المعرفية والتربوية، وتتوافر على مستوى عال من الكفاءة والفاعلية، لإعطاء مخرجات أفضل، وتتكامل في جميع مراحلها، إذ إن المراحل التعليمية مترابطة ومتراكمة، يقوم بعضها على بعض، وهذه المراحل خصوصا في التعليم العام، مكون رئيس في بناء القدرات الأساسية التي تخدم الفرد لاحقا في سوق العمل، أو هكذا يجب أن تكون.

إذا أخذنا ما سبق في الحسبان، فإن التعليم الحر المواكب للعصر، مع إعادة صياغة المناهج الدراسية كفيل بخلق جيل قوي، متماهٍ مع عصره، ومسايرٍ له، يقبل تحدياته ويتغلب عليها، إذ إن للتطوير وتغيير المناهج الدراسية أثرا كبيرا في تطوير قدرة المجتمع على اللحاق بعجلة التنمية، وتعزيز الرفاه.

ففي مناهج فقيرة معلوماتيا، تفصل الطالب عن محيطه العالمي والإقليمي، يبلغ السعودي عامه الثامن عشر، وهو يجهل أبسط المعلومات التاريخية أو الجغرافية وغيرها، ناهيك عن تكريس مواضيع لا تسهم أو تساعد في تنمية الذائقة وروح الجمال في ذهنية الطالب السعودي، إذ ما زالت المناهج التعليمية السعودية، على الرغم من بعض التطور في مناهج العلوم التطبيقية، مدانة بشكل أو بآخر بالقصور المعلوماتي المهم لطلاب التعليم العام، وكذلك هي مدانة بتغييب كل ما يغذي الذائقة والإبداع الفني والجمالي، وهي مدانة أيضا بترسيخ عقلية التطرف، والإقصاء.

والحديث حول تطوير مناهج التعليم السعودية وتغييرها، أخذ مناحي جادة وصادقة، لتواكب هذه المرحلة التنموية التي تشهدها السعودية حاليا، وما حديث ولي العهد الأمين -حفظه الله- لبرنامج 60 دقيقة الأميركي الشهير، إلا تأكيدٌ على النية الصادقة والجادة للتطوير والتغيير إلى الأحسن، بما يعزز قيم الدين الإسلامي الحنيف ويعزز اللحمة الوطنية، ويمنح المواطن والمجتمع عموما نظاما تعليميا مجودا، يلبي كل الاحتياجات الأساسية والضرورية لأبناء وبنات الوطن.

والتطوير بصفة عامة يعني: الوصول بالمستهدف المرغوب تطويره، إلى أحسن صورة، حتى يؤدي الغرض المطلوب منه بكفاءة، ويحقق ما رسم له من أهداف على أتم وجه، بطريقة اقتصادية في الوقت والجهد والتكاليف، الأمر الذي يستدعي تغييرا في شكله ومضمونه، تغييرا مقصودا ومنظما نحو الأفضل، فعند تطوير المناهج الدراسية، لا بد أن يشمل التطوير جميع مكوناتها من مقررات وأهداف وطرق ووسائل وكتب مدرسية وما إلى ذلك، بل ويجب أن ينصب التطوير والتغيير كذلك على الحياة المدرسية بشتى أبعادها، فلا يركز فقط على المحتويات العلمية، كما كان الأمر في النموذج التقليدي، وإنما يتعداه إلى المناشط وطبيعة الأداء القيادي والتربوي، ونظام التواصل، وعلاقات المدرسة بالبيئة والمجتمع المحلي.

وفي إلماحة سريعة، أستعرض تاريخ الاعتراض على المناهج التعليمية السعودية بشقيه المتشدد والمنفتح، إذ إن التعليم النظامي بمفهومه الحديث لم يُعرف إلا بدءًا من عام ‪»1924«، 1344‬ إذ أنُشئت مديرية المعارف، وتأسست معها المدارس الابتدائية التقليدية، وفي سنة 1930، ظهرت أولى بوادر الاعتراض على ما يدرس في تلك المدارس، من جهة غرابتها عن الدين، وتدريس مفاهيم مخالفة للعقيدة، وهو حديث هامس لم يصل إلى حد الاعتراض الصريح، وفي عام 1953، تحولت مديرية المعارف إلى وزارة المعارف، وتم بعد ذلك البدء بتطبيق منهج جديد للمرحلة الابتدائية، روعيت فيه زيادة حصص بعض المواد الدراسية، وإدخال مواد جديدة، وأصبح التعليم أكثر عصرية خلال تنظيم وتنوع المواد الدراسية. وهنا، ظهر مجددا عدد من الاعتراضات في صورة خطابات رسمية من بعض المشايخ، والتي كانت تتمثل في الاعتراض على تخفيض نصاب حصص المواد الدينية، وتدريس بعض العلوم والفنون التي تتعارض -من وجهة نظرهم- مع العقيدة الإسلامية كتدريس اللغة الإنجليزية، وبعض العلوم كالجغرافيا التي تقول بكروية الأرض وغيرها.

وفي الستينات الميلادية، ظهرت مطالب مختلفة من التيار التحديثي، عبر كتابات

عبدالكريم الجهيمان وغيره من الكُتَّاب، الذين كتبوا كتابات نقدية في واقع المناهج التعليمية، بغية تطويرها وانفتاحها بشكل أكبر وأوسع.

وفي أواخر الستينات وبدايات السبعينات، بدأت الكوادر الإخوانية تدخل على خط المناهج بمؤلفاتها، وخطها التعليمي، خصوصا في المناهج الشرعية والأدبية.

ومع تنامي المد الصحوي في الثمانينات، ظلت المناهج محافظة ولا تقبل المساس لا بالتغيير ولا بالتعديل، وبدأ حراكٌ من نوعٍ آخر، وهو ضرورة المحافظة على هذا المنجز باعتباره منجزا، بدلا من المطالبة بأية تطوير أو تغيير.

ومع مطلع التسعينات وما تبع أزمة الخليج من أحداث وتداعيات، حدثت ضجةٌ كبيرة، خاصة من التيار الصحوي، باعتبار أن هناك هجمةً لتغيير المناهج التعليمية وتطويعها، خصوصا بعد حذف أحد المناهج في التعليم العام في المرحلة الثانوية، لاشتماله على عدد من القضايا التي لم تكن مقبولة، منها التكفير، وشهد هذا الأمر جدلا صحفيا امتد سنوات، ويعد ذلك أول جدل علني على وسائل الإعلام فيما يتعلق بالمناهج وتطويرها أو نقدها.

المنعطف الأهم، وهو الذي أثار القفزة الكبرى في قضايا التعليم والمناهج، هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما تبعتها من تداعيات كعلامة نوعية، إذ بدأت عملية حوكمة للمناهج عبر الأوساط والوسائل الثقافية والإعلامية، وعندما عقد مؤتمر الحوار الوطني الثاني في نهاية ديسمبر 2003، قدمت فيه دراسة نقدية »القاسم/ السكران« مبنية على استقراء لكامل المناهج التعليمية، وكان أهم التوصيات التي خرجت بها تلك الدراسة، هي ضرورة إعادة النظر في المقررات الدراسية، وتنقيتها من الجدل العقدي، وتنقية المقررات من النزعات التكفيرية، وتقرير قواعد التعامل مع المخالف، وضبط منظور فقهي تجاه التعامل مع الآخر، هذه الدراسة أثارت في المقابل التيار الديني -وهي المرة الأولى التي يكون فيها ضعيفا في موقفه أمام تلك الدراسة- إذ جاء الرد ببيان شهير وقّعه 156شخصية إسلامية وغير إسلامية حول تغيير المناهج، وكالعادة كان المنطلق والإشكال الذي يقع فيه التيار الصحوي عزوهم هذا التغيير إلى دافع خارجي، واتباعًا للغرب الكافر، ولم يناقشوا هذه المناهج أو ضرورة تغييرها أو حتى تطويرها.

أخيرا، من الضرورة بمكان، العمل على تطوير المناهج الدراسية، وتغييرها بما يناسب العصر، ووفقا لمتطلبات المرحلة حضاريا واقتصاديا وسياسيا، في التعليم العام والعالي وفي جميع التخصصات، لتكون ذات محتويات مهنية تعطي مخرجات يحتاجها سوق العمل في القطاعين العام والخاص، خاصة أن مستقبل الوطن، وفقا للرؤية الحلم 2030، يراد له أن يتحول بالتدريج إلى جعل المملكة العربية السعودية مركزا اقتصاديا وماليا عالميا، وتعزيز مكانتها سياسيا على المستوى الإقليمي والعالمي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia