Al-Watan (Saudi)

بقايا الصحوة يطالبون بحرية الرأي والاختلاف

Http://www.alwatan.com.sa/info/neqashat.htm

-

الاختلاف هو سنة الكون ولن تجد إنسانا حرا عاقلا يرفض الاختلاف أو أنه يقبل به شكليا، بحيث يؤمن على وجود حقيقة واحدة وهي الصواب الوحيد وغيرها خطأ مهما كثر وتنوع. إن الإنسان الحر العاقل يؤمن بحتمية وضرورة وجود الاختلاف مثلما يؤمن بوجوده هو كجسد مادي وروح معنوية في هذا الكون، فإذا كان الاختلاف غير موجود بالتأكيد لا وجود للإنسان، هذا ما يستنتجه العقل ويفسره المنطق، بأن كل سؤال عليه إجابات عديدة، وكل معادلة لها عدة احتمالات، ورأيك فيه نسبة من الخطأ ورأي الآخر فيه نسبة من الصواب. ومن هنا يتضح لنا أن أساس الكون مبني على الاحتمالات، في نسبية الخطأ والصواب، ونسبية النفع والضرر، ونسبية الخير والشر، وكل ما وقع ويقع وسيقع ليس بالضرورة وقوعه، بل نسبي الوقوع!

المقدمة السابقة ليست درسا بالفيزياء عن النظرية النسبية، وليست أسئلة عن الفلسفة والمنطق، إنما هي مقدمة ورد على بعض الصحوة، وبعض التيارات الدينية المتشددة الأخرى، ولا ننسى أيضا »حصان إبليس« وهم الأبواق الخارجية الحاقدة على المملكة، والذين ضاقت دنياهم بما رحبت، وهم يشاهدون المملكة وحكومتها وشعبها ينعمون بالأمن والرخاء والازدهار، ويصل الضيق فيهم إلى ذروته حين يرون مدى التلاحم بين الشعب السعودي الكريم وقيادته الرشيدة.

كُشف زيف وخداع الصحوة عند الأغلبية وسقطت أقنعتهم، وأصبح الناس يعلمون بأن تلك الفتاوى ليست من الدين والدين منها براء، والحقيقة أنها مجرد آراء بشرية لبست ثوب القدسية وتمتعت بالحصانة الدينية، والتي جعلت البعض من دعاة الصحوة يسلكون طرقا غير سوية من أجل مصالحهم الشخصية والحماية التي توفرها لهم الحصانة الدينية، بما يتمثلون عليه وروجوا له، وهو نمطية شكل الشخصية الدينية، ولا ننسى أبدا ما كانوا يمارسونه من التحريض والزج بشباب في سن الزهور للجهاد المزعوم في بلاد ما وراء الحدود، وهي البلاد التي تعيش في صراعات وحروب أهلية وطائفية وسياسية وعمليات قتل جماعي وتطهير عرقي، حتى أصبحت أرضا خصبة للإرهاب والتطرف ومصنع تفريخ لعناصر إرهابية جديدة، وللأسف إن كل ما جرى في ذلك الوقت من تحريض وقتال كان ينسب للدين جورا وبهتانا، على أن هذه الجرائم من أعلى درجات فضائل الدين، فهذا ليس تشريعا للجريمة فقط، بل تجميل لقبحها وتصنيفها بأنها أسمى فضيلة!

بعض ممن تبقى من الصحوة نراه اليوم يتكلم ويكتب عن الديمقراطي­ة والتعايش وحرية الرأي والاختلاف وأنها مطالب وحقوق! وحين نسمع هذا الكلام نظن أن أفلاطون قد بُعث من جديد، لكن حين نستحضر الذاكرة وما مضى في تلك العقود، والتي لا تزال مكتبة الإنترنت تحتفظ بالكثير من شواهد تاريخ تلك الحقبة، نرى فيها التناقض العجيب الذي كانت فيه الديمقراطي­ة والحرية سابقا تصنف عندهم بأنها كفر ورجس من إنتاج الغرب الكافر، وحاليا أصبحت فرضا وواجبا لا يستقيم الدين بدونها!

أيها المحافظ.. إننا نحترم حريتك الشخصية وحياتك الخاصة، وكذلك نحترم اختلافك معنا بالرأي وما تعتقد وتؤمن بصحته، وقد نتفق في كثير من الأمور الأخرى، والاختلاف هو حق مكفول للجميع وضرورة، كما أسلفت بالمقدمة، لكن اعلم جيدا أن حق الاختلاف لا يعطي لك حقا في سب وشتم الأشخاص، والنيل منهم لفظيا أو بدنيا، ولا يعطي لك الحق بالتدخل في تصرفات وشؤون حياة الناس الشخصية والخاصة، حتى ما جاء في باب النصح كما يتحجج بعضكم، لأن النصيحة هي سبيل من سُبل الوصاية على الناس، فإذا كنت تريد نصح الناس فيجب عليك أن تكون أفضلهم كي يُسمح لك بتوجيه النصح والإرشاد لهم.

الاختلاف لا يعني التدخل في شؤون الآخرين وإقناعهم طوعا وجبرا بقناعتك، لأن قناعتك هي نتاج ما فهمته أنت من النص الشرعي، وبالمقابل يوجد فهم آخر للنص الشرعي غير ما فهمت أنت، وحتى إن لم يوجد فهم آخر، فإنه من الانتهاك أن تجبر أحدا على سماع رأيك أو إرغامه باتباع رأيك بحجة أنه هو رأي الشرع، وهذه الحجة غيّر صحيحة، لأن رأيك غير مستثنى وينطبق عليه قانون النسبية وما أسلفنا ذكره.

أيها المحافظ المخضرم.. تأمل وتفكر بأحوال شعب المملكة حاليا في عهد سلمان الحزم ومحمد العزم، ومدى الأمل الذي بُعث فينا لمستقبل أفضل، من خلال ما سمعنا من أقوال دُعّمت بالحزم والعزم، وترجمت بالأفعال على أرض الواقع، وشاهد العمل والجدية والحماس والتفاؤل عند شباب الوطن، وستلاحظ فيهم الإصرار والعزيمة على الوصول للتحول الوطني، ومنه ننطلق إلى غاية الجميع، وهي رؤية السعودية 2030 التي لن تقف عندها المسيرة.

تذكر تلك العقود التي استحلت الصحوة فيها عقول الناس باسم الدين، وكان فيها المعلم بالمدرسة يحرم جريمة التصفير والتطبيل والغناء! ويأمر الطلاب بأن يؤمنوا بما يقول ولا يسمحون لأنفسهم بالتفكير بما قال، ولا يسألون في ما قال، لأن التفكير والسؤال حرام ويفتح للشيطان بابا! ويأمرهم كذلك بتقصير الثياب وقتل الوزغ لمن استطاع إليه سبيلا! تلك العقود التي رأينا فيها مجموعة من المحتسبين ينفذون »حد حلق شعر الرأس« في شاب أقدم على جريمة إعفاء شعر رأسه! تلك العقود التي تسمع فيه ذاك الداعي على المنبر يصرخ ويزمجر، في خطبته العصماء التي يستنهض فيها أهل المملكة بلاد الحرمين الشريفين لينهضوا لنصرة إخوانهم في بلاد ما وراء الحدود!!

أحمد الله تعالى وأدعو بطول العمر والسلامة لمليكنا وولي عهده، وذلك لأني عشت إلى اليوم الذي سمعت فيه: أن من كان يُقصينا ويرفض أن نستمتع بالحياة ويعدنا بالويل والعذاب بالآخرة ومارس ضدنا أشد أنواع الإقصاء أو الوصاية في أبشع الأساليب، قد صار الآن وبقدرة قادر يبحث عن حرية الاختلاف والرأي!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia