Al-Watan (Saudi)

هل بدأت حرب باردة جديدة حقا

- وود آرني ويستاد*

منذ احتلال روسيا شبه جزيرة القرم وإطلاق الصين مبادرة »الحزام والطريق« قبل نحو أربع سنوات، كانت هناك تكهنات كثيرة حول ما إذا كانت حرب باردة أخرى مقبلة بين الشرق والغرب. ففي الشهر الماضي نشرت عناوين الأخبار أن »الحرب الباردة الجديدة قد أقبلت«، وبشَّرت بـ»حرب بوتين الجديدة الباردة«، وحذرت من أن »ترمب يستعد لحرب باردة جديدة«. فهل سنعود حقا إلى الماضي؟ إن السياسة المعاصرة مليئة بالمقاييس الخاطئة، ويبدو أن عودة الحرب الباردة واحدة منها. كانت الحرب الباردة نظاما عالميا لدول ترتكز على الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من أن أصداء وبقايا الحرب الباردة لا تزال قائمة بيننا، فقد تغيَّرت محددات وسلوك الشؤون الدولية. من ناحية أخرى، تعتقد الصين أن النمو الاقتصادي الذي لم يسبق له مثيل أعطاها مركز قوة مهيمنة في المنطقة، ولم تعد بمثابة بيدق للآخرين، كما كان خلال الحرب الباردة. إذا كانت الحرب الباردة تجبرُ الصين على العودة، فإن حقبة ما بعد الحرب الباردة جعلت الصين حُرة في التصرف باسمها، كما يعتقد العديد من الصينيين. على الجانب الأميركي، فإن الصدى الرئيسي للحرب الباردة هو إحساس بارز جدا بين ناخبي الرئيس دونالد ترمب، ولكن أيضا واضح في مكان آخر- أن واشنطن قد استغلت من قبل الآخرين. وكما تقول الحجة، فإن الولايات المتحدة، طوال فترة الحرب الباردة، أعطت الأمن بثمن رخيص لبقية العالم الرأسمالي، بينما ساعد الحلفاء الأميركيون أنفسهم في الحصول على أموال ووظائف أميركية، ولم يقدموا سوى القليل في المقابل. العديد من الناخبين الأميركيين يشعرون أن بلادهم، بعد أن فازت بالحرب الباردة، لم تكسب أي شيء نتيجة لذلك. وبالتالي فإن الإدارة الحالية تتخلص من المسؤوليات النظامية لمصالح أميركية أضيق بكثير. هذه جوانب توضح كيف أن الحرب الباردة خلقت العالم الذي نعيش فيه الآن، لكن الشؤون الدولية اليوم انتقلت إلى ما بعد الحرب الباردة. والآن، تؤكد جميع القوى العظمى على الهوية والمصلحة الوطنية باعتبارهما السمتين الرئيسيتين للشؤون الدولية. ادعى الدوليون في الحرب الباردة أن الفئة الوطنية ستكون أقل أهمية، لكن أثبتت حقبة ما بعد الحرب الباردة أنها خاطئة. لقد ازدهر القوميون على حطام الخطط الكبرى المليئة بالأيديولو­جيات من أجل تحسين مستوى حياة البشرية. أيا كان النظام الدولي الذي يتم إنشاؤه في الوقت الحالي، فهو ليس حربا باردة. وقد يتحول الأمر إلى صراع ومواجهات، لكن استخدام »الحرب الباردة« كقاسم مشترك لكل شيء لا نحبه لا معنى له. بدلا من ذلك، يجب أن نحاول فهم كيف تؤثر لدروس الماضي على التفكير في الحاضر. وإذا أردنا تطبيق التاريخ على صنع السياسة، يجب أن نتعلم أن نكون حذرين تجاه الاختلافات كما هو الحال بالنسبة إلى المقارنات.

* مؤرخ نرويجي متخصص في الحرب الباردة وتاريخ شرق آسيا المعاصر- مجلة (فورين أفيرس) الأميركية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia