Al-Watan (Saudi)

رسالة إلى ولدي

- فاطمة السهيمي

ولدي الحبيب: وأنت تستيقظ كل صباح على أصوات المآذن، وليس على قصف المدافع والصواريخ، وتذهب إلى مدرستك آمنا لا تخشى أن يخترق ظهرك رصاصة طائشة أو ينفجر تحت قدميك لغم قاتل، وتجلس في فصلك على مقعد نظيف وطاولة ناعمة وليس على الحصير الخشن أو الأرض العارية.. وبدلا من الغرق في عرقك المتصبب من جميع مسامات جسدك.. فإنك تختلف مع زملائك هل يجب تشغيل مكيفي الفصل معا أم تكتفون بمكيف واحد، وقد أحاط بك فصل مستوي البناء زاهي الألوان نظيف البلاط.. بدلا من أن تدرس في العراء.. ولدي وأنت تلبس ثوبك الأبيض الناصع الذي اخترت أنت قماشه، وشاركت الخياط في أدق تفاصيله، وأحكمت إقفال أزراره، وتمعنت وأنت تختار »الكبك« المناسب له، وطلبت من »الكواء« أن يعتني بشماغك المميز، ورششت عطرك الغالي حتى ضج المكان خلفك بالأريج، وكان يمكن أن تلبس أسمالا بالية لا تكاد تستر جسدك الناحل، وقد فاحت منه رائحة التعب والعرق والمرض. ولدي وأنت تركب سيارتك وتدير محركها باتجاه مدرستك الجميلة أو ملعبك الواسع أو مطعمك المفضل دون أن تفكر أنه كان بإمكان الأرض أن تعيد تدويرك وأنت تسعى في مناكبها على قدميك بلا وجهة ولا وطن، ولا حتى ربع رغيف يابس.. ولدي وأنت تغضب لانقطاع التيار الكهربائي لدقائق، وتتذمر من غياب شبكة الإنترنت لنصف ساعة.. فإن هناك وربما في مكان قريب منك من ينقطع عنه الأكسجين وهو في العناية المركزة، أو ينقطع عنه الماء لأيام طويلة حتى يشرف على الهلاك.. ولدي وأنت ترى وطنك يحتل المرتبة الأولى في قلوب العرب والمسلمين، وتسطع شمسه كل يوم تغمر ثلث الكرة الأرضية بالحب والعطاء، وتغمر الثلثين الآخرين بالهيبة وقوة الظهور والحضور، فإن هناك من أصبحت بلاده مجرد اسم باهت على الخريطة الورقية الصفراء.. ولدي وأن ترى اسم المملكة العربية السعودية يدوي في العالم.. يرن كدنانير الذهب على رخام المشهد العالمي.. فيهبط اسمها بردا وسلاما على ملايين المحبين من العرب والمسلمين والكثير غيرهم، وينداح في مسامعهم كموسيقى الفجر الفاتنة، وترى نفس الاسم يهوي على أعدائها كالصاعقة السماوية الحارقة.. فإن هناك من نسي قاموس الأرض اسم بلاده فسقط في مجاهل النسيان. ولدي وأنت ترى الحكام في بلدك يصدحون بلا إله إلا الله في كل محفل، ويدافعون عن قضايا الإسلام ويحملون هموم المسلمين في كل حال، ويقفون بين جموع الركع السجود خاشعين خاضعين لله العظيم.. فإنك ترى غيرك وقد حكم أوطانهم الجبابرة، ومزق الطغاة توحيدها ووحدتها.. ولدي وأنت تأتي إليّ باسما وفي يدك جوالك.. ثم تفتح لي مقطعا قصيرا يظهر فيه ولي العهد وهو يطأ تراب أعتى القوى العالمية بعزة المسلم وشموخ العربي.. تحكي خطواته الواسعة أحلامك وأحلام الشباب السعودي، وتعكس وقفته الشماء افتخارك وافتخار الشباب المسلم، وقد ارتدى مشلحه العربي على ثوبه السعودي وكأنه في الرياض. ولدي وأنا أرقب ابتسامة الإعجاب ترتسم على وجهك، ونظرة الفخر تقدح من عينيك.. فإنني أتساءل: هل أنا محظوظة لأنني أشهد هذه الفترة المميزة في تاريخ بلادي، وأشارك بكل ما أملك في زراعة غراس الرؤية.. أم أنك أنت المحظوظ. لأنك ستشارك -إن شاء الله- مع ملايين الشباب في قطف ثمارها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia