Al-Watan (Saudi)

مراكز الاستفادة من المتقاعدين

- ياسر الغسلان

عودة »جون بولتون« مؤخرا للواجهة الدولية بعد تعيينه مستشارا للأمن القومي الأميركي تحكي لنا أن الشخصيات التي قد يعتقد البعض أن التاريخ قد نسيها أو تجاوزها هي في الحقيقة موجودة، ولكن في أماكن قد لا تكون بالضرورة في الواجهة وملاصقة للحياة اليومية، فبولتون الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة في عهد الرئيس »جورج بوش« الابن قبل أن يستقيل في عام 2006 توارى عن الأنظار كمسؤول حكومي يمثل بلاده في المحافل الدولية، ولكنه استمر يلعب دورا مهما منذ ذلك الحين في عدد من المواقع المهمة التي ترسم السياسات الأميركية، فقد عمل زميلا في معهد المشاريع الأميركية AEI، وكان مستشارا للسياسة الخارجية للمرشح الرئاسي عام 2012 »ميت رومني«، إضافة لمشاركته في عدد من المراكز الفكرية ومعاهد السياسة المحافظة سياسيا، بما في ذلك معهد إيست ويست ديناميكس، والاتحاد القومي للأسلحة، واللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية، ومجلس السياسة الوطنية CNP)،( ومعهد غيتستون حيث عمل رئيسا للمنظمة.

الشخصيات السياسية والعسكرية والمتخصصة بضروب الحياة المختلفة في أميركا لا ينتهي دورها مع التقاعد مثلا أو الإقالة، كما يحدث في كثير من دول العالم بما فيها دولنا، بل يتم الاستعانة بهم في مراكز دراسات أسست أصلا للاستفادة من خبرات هؤلاء من أجل بناء خطط للمستقبل، وفق دراية عملية ومعرفة حقيقية ببواطن الأمور وكيفية التغير وتسيير الظروف.

لدينا في السعودية تجارب خجولة في هذا السياق كما يصف لي بعض المعنيين بالأمر، فقناعة المجتمع وكثير من المسؤولين تقول إن المتقاعد أو المقال لم يعد لديه ما يضيفه، ويجب أن تعطى الفرصة للشباب في تطوير المجتمع والمضي به نحو المستقبل، وعلى الرغم من أني أتفق مع الجزء الثاني من هذا الرأي إلا أني قد أختلف بعض الشيء مع الرأي الأول، فكما أن مدربي الفرق الرياضية في الغالب هم لاعبون معتزلون فإن الكوادر التي قادت البلد لعقود قد يكون ما زال لديها المقدرة على العطاء في مواقع أخرى أكثر التصاقا بالتخطيط منها للتنفيذ.

التحدي الأهم الذي يواجه تحول تلك الخبرات إلى طاقة مستمرة في بناء الوطن يكمن في قناعة المسؤولين بأهمية أن تكون مراكز الدراسات أو الـTHINK) TANKS( جزءا رئيسيا في عملية بناء السياسات والإستراتي­جيات والخطط المستقبلية، فالاعتماد فقط على بيوت الخبرة الاستشارية دون أن يكون لمركز الدراسات المحلية المتخصصة دور، أثبت في كثير من الدول بما فيها أميركا أنه جهد غير مكتمل، فبيوت الخبرة تنظر وفق الأسس العلمية بينما مراكز الأبحاث تخطط وفق الخبرات وتفهم ديناميكية العمل الداخلي للحكومة ومكوناته البشرية والتنظيمية.

بناء الخطط المستدامة يتطلب أن يمر بمراحل متعددة تمتزج فيها الخبرة العملية بالأسس العلمية باقتناع وتبني ذوي الاختصاص وجمهوره المستهدف، وصولا لتبني وتمكين صاحب القرار.

هذا ما تقوله لنا التجارب الناجحة، فأصحاب الخبرة يجب أن يستعان بهم لا من خلال توظيفهم كمستشارين في هيئات حكومية فقط، بل بخلق الظروف التشريعية التي تعطي مراكز الأبحاث دورا محركا في عملية بناء القرارات، فإن كانت مقترحاتهم مجدية وصالحة للتطبيق فذلك أمر رائع، وإن كان الأمر غير ذلك فعليهم العودة لطاولة التخطيط ليقدموا ما يمكن أن يقنعوا به جميع مكونات القرار المستدام.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia