Al-Watan (Saudi)

ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم

- أحمد الرضيمان

يتهم »بعض« الناس المقررات الشرعية السعودية بأنها تغذي العنف والإرهاب، ويقوم آخرون هداهم الله بإرسال اتهاماتهم الظالمة لمنظمات دولية غربية، والله أعلم بنواياهم، ولسنا مكلفين بالحكم على النوايا، فلا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب، لكن نتحدث فيما يظهر لنا من دعاواهم التي لا زمام لها ولا خطام، لكونها تفتقد شرطي النقد: العلم والعدل، ولهذا فهي لا تصمد أمام البحث العلمي المنصف، ومن أسباب أخطائهم التي أدت بهم إلى نتائج خاطئة ظالمة في نظري ما يلي:

السبب الأول: أنهم يعتقدون ثم يستدلون، وهذا المسلك خطير جدا، لكونه مخالفا لمنهج أهل السنة والجماعة، وموافقا لمنهج أهل الأهواء، ومن أمثلة ذلك: أن يعتقد متهم المقررات الشرعية، أنها تدعو لعدم العدل مع الآخر، أي (الكافر) وهم يحيدون عن هذه اللفظة، مع أن الله تعالى الذي خلقنا وخلقهم هو من سماهم بذلك، فقال تعالى: (فأولئك هم الكافرون) وقال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، والله تعالى هو الذي أخبر أن الناس منهم مؤمن ومنهم كافر، ولا منزلة بين المنزلتين، ومهما فعل المسلم من الكبائر دون الشرك والكفر، فإنها لا تخرجه من الإيمان، قال تعالى (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن)، فبعض متهمي المقررات هداهم الله إذا أرادوا أن يدينوا مقررات بلادنا المدرسية بالعنف والتطرف ونحوهما، فإنهم يبحثون في عبارات المقررات لعلهم يجدون فيها ما يؤيد اعتقادهم المسبق، وفق المنهج الانتقائي، وربما وفق قطع الكلام عن سياقه، وعن النصوص الأخرى في الموضوع، ويصرفون النظر عن كل عبارات توجد في المقرر تبطل ما أرادوا، وتنسفه من أصله، ولهذا لا ينقلونها، ولا يشيرون إليها.

فينقلون على سبيل المثال عبارات تتضمن عدم محبة الكافر - ومع كونهم لم يفهموا المراد مع وضوحه في المقرر - إلا أنهم يبنون على ذلك استنتاجات خاطئة، ومنها: أن المقررات تدعوا لظلم الكافر والاعتداء عليه.

وتلك الاستنتاجا­ت باطلة، لأن مقدماتها باطلة، ولكون أصحابها اعتقدوا ثم استدلوا، بالإضافة إلى ملحوظات تفصيلية منها:

الأولى: أن عدم محبة أي شخص -بغض النظر عن دينه - لا تعني عدم الإحسان إليه، فضلا عن ظلمه، وهذا ما بينته المقررات الشرعية، وكتمه أو جهله المتهمون لها، وهو ما ذكره الله بقوله: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) فالعدل واجب مع المحب والمبغض، والمقررات الشرعية تأمر بالعدل والإحسان مع الكافر غير المعتدي علينا، وتستدل على ذلك بقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

الثانية: بينت المقررات أن المحبة الممنوعة هي محبتهم لأجل دينهم، أما المحبة والمودة الطبيعية، كمودة الزوج لزوجته الكتابية (اليهودية أو النصرانية)، وكمحبة المسلم الطبيعية لأبيه أوعمه أو قريبه غير المسلم ونحو ذلك، فجائز، وقد ذكرت المقررات ذلك، استدلالا بقوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، وقوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت) أي: أحببت هدايته، أو أحببته لقرابته، وقد نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام في عمه أبي طالب، ولكن متهمي المقررات عن هذا غافلون.

الثالثة: أن بعض الأقوال التي نسبوها إلى المقررات، لا وجود لها في المقررات البتة، وقد أثبتُّ ذلك في كتابي (الدعاوى العقدية المتعلقة بمقررات التعليم العام).

الرابعة: أن بعض ما يتهم فيه المقرر، هي معان صحيحة، جاء بها الكتاب والسنة، لكنهم يجهلون أو يتجاهلون معانيها الصحيحة الواردة في المقررات، ومن أمثلة ذلك، قول بعضهم: إن المقررات تأمر بقتل كل من لا يشهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، ويستنتجون من هذا أن المقررات تدعو إلى إكراه الناس على الدين، أو قتلهم، فنقول لهم: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأني رسول الله..الحديث) والمقرر قال ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن ليس معنى الحديث ما قلتم، ولا يصح فهم الأحاديث دون نظر في الأحاديث الأخرى في الموضوع نفسه، لأن هذا خلل في منهج الاستدلال، لا بد من جمع النصوص، والمقررات المدرسية فعلت هذا، وبينت: أن لفظ (الناس) في الحديث (أمرت أن أقاتل الناس)، من العام الذي أريد به الخاص، فأهل الإسلام هم من جملة الناس وليسوا مرادين في الحديث، والكافر المعاهد من الناس وليس مرادا في الحديث، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة)، وهكذا المستأمن والذمي ونحوهم، فيتضح من ذلك أن المراد هو من يقاتل المسلمين، ويمنعهم من نشر الإسلام، كما قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، ثم إن القتال يكون تحت راية إمام المسلمين، وكل هذا موضح في المقررات.

السبب الثاني: أنهم يتبعون المتشابه، ولا يردونه إلى المحكم، فإذا قرأ أحدهم جملة من المقرر تتضمن حكم تأديب المبتدعة، كالجهم بن صفوان الذي زعم أن الله لم يكلم موسى عليه السلام، طار بها وقال: هذه دعوة للعنف، وإثارة للناس ليقتل بعضهم بعضا، والواقع أن الأمر ليس كذلك، ولكن هكذا يفعل أهل التهويل والمبالغة هداهم الله، وإلا فلو تمعنوا في ما جاء في المقرر، لظهر لهم توكيد المقررات على أن إقامة الحدود والتعزيرات والجهاد وغير ذلك، كلها من صلاحية إمام المسلمين، لا يحل لأحد أن يفتات عليه.

السبب الثالث: اتباعهم للمنهج (الانتقائي) و(التلفيقي)، فيختارون من عبارات المقررات ما يتوهمون أنه يدينها، ويكتمون ما ينقض دعاواهم، وهذا مناف للأمانة العلمية.

لقد وقفت على مقالات في مناهج الغرب فيها من العنصرية والكراهية للإسلام وأهله، ما لا يخطر بالبال، وصدق ربنا القائل (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم)، وقد ذكرت بعضا من تلك المقالات في كتابي الذي أشرت إليه، ولم نقرأ مقالا واحدا لمنتقدي مقرراتنا الشرعية، ينتقد فيه ما تضمنته مناهج الغرب وإسرائيل، من عنف ضد الإسلام وأهله، سهامهم فقط متوجهة لمقررات وطنهم؟! فما تفسير ذلك، وما سببه؟

إن كان السبب هو الانهزامية، فما يليق بمسلم أعزه الله بالإسلام أن يبتغي العزة بغيره، قال تعالى: (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)، وقال تعالى: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) أي: فليطلبها بطاعة الله، وقال تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)، وقال تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)، وقال تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، وإن كان السبب كراهية حزب الإخوان وأتباعه من الصحويين الحزبيين، فليكن النقد للإخوان والصحوة، لا لمقرراتنا الشرعية، التي كتبها الراسخون في العلم كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ولو نطقت مقرراتنا الشرعية لقالت: غـيري جنا وأنـا المعاقـب فيكم

فكأننــي ســبابة المتنــدم بل إن بعض متهمي المقررات بظلم وتجن هم من الصحويين والإخوانيي­ن، وقد سمعت بعض الإعلاميين الغربيين يتهجم على المملكة مستدلا باتهامات بعض الصحويين لمقرراتها الدراسية، لا أدري أأرادوا باتهامهم إدانة المملكة؟ أم صرف النظر عن حزب الإخوان الإرهابي، وصحوتهم الحركية الحزبية، أم غير ذلك ؟ الله أعلم، الذي نعلمه أنهم قالوا منكرا من القول وزورا.

وأنا هنا لا أدعي أن مقرراتنا الدراسية الشرعية معصومة، لكني أقول: إنها وإن لم تكن معصومة، إلا أنها محل الثقة، لكونها مبنية على الأدلة الشرعية ومنهج السلف الصالح، ولا مانع من النقد العلمي لها إذا كان بعلم وعدل، إنما الخطأ والعدوان هو في إلقاء التهم جزافا، بجهل وظلم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia