Al-Watan (Saudi)

حياة في الإدارة والقرار الصائب

-

كتب غازي القصيبي -رحمه الله- »هكذا بلا ألقاب كما كان يُحب«، مقالا رائعا في هذه الصحيفة 2009 بعنوان »امنعوا هذا الكتاب الخَطِر!«، فقد نجح القصيبي في استدراج القُرّاء لقراءة »إصلاح التعليم في السعودية« لوزير التعليم أحمد العيسى.

وكان القصيبي يرى أنّه أهم كتاب صدر في الشأن العام خلال العقدين الأخيرين.

وتكمن أهمية هذا الكتاب، في رأي الدكتور غازي، في أنه يتعلق بأهم القضايا في المجتمع، ألا وهي قضية التعليم، ولا يمكن أن تكون هناك تنمية أو نهضة أو تقدم في أي دولة

ما لم تنطلق من النظام التعليمي.

وفي نهاية المقال، طالب الدكتور غازي وزير التربية والتعليم آنذاك، الأمير فيصل بن عبدالله، أن يجعل من الكتاب موضوعا لأكثر من ورشة تعليمية.

وتمر الأيام والسنون، ويرحل عن دنيانا الدكتور غازي، ويأتي الوفاء و»لا خير في الدنيا إذا ذهب الوفاء«، على يدي الوزير العيسى، في خطوة فريدة مميزة رائعة، ويقر كتاب

»حياة في الإدارة للقصيبي« منهجا يُدرّس للثانوية.

وبغض النظر عن لفتة الوفاء الرائعة التي قام بها الوزير العيسى تجاه علم من أعلامنا السعوديين »وأجمل الوفاء وأروعه عندما يكون للموتى الذين رحلوا عن دنيانا«، إلا أن الكتاب يُعدُ بحق من الكتب الرائعة القيّمة، فقد صاغ الدكتور غازي بأسلوبه الأدبي السهل الممتع فصوله القصصية منذ تحضيره رسالة الدكتوراه عام ‪«-1386 1968»‬ إلى أن بدأ مهمته الدبلوماسي­ة سفيرا في لندن، ورغم أن تجربة 26 عاما قصيرة جدا في عُرف التاريخ، إلا أنها كانت حافلة بالأحداث العظام والمفاجآت الكبيرة، لا سيما أنها كانت في بداية الطفرة التي غيّرت المجتمع السعودي تغييرا كبيرا على جميع المستويات، والدكتور غازي صاغ هذه التجربة في قالب روائي، وكانت تحمل في طياتها ألوانا من التجارب الإنسانية والعلمية والإدارية، ومزيجا من المشاعر من فرح وحزن ونجاح وإخفاق.

وفي الحقيقة، إن هذا الكتاب ممتع وطريف، وبعيدٌ عن التنظيرات الإدارية المثالية الجافة، ويتناسب مع قدرات طلاب الثانوية، ورغم أنه كتاب يحوي في معظمه أحداثا إدارية عملية إلا أن محتواه وأسلوبه يجذبان الأفهام ويأسران الألباب، ولا غرابة في ذلك، فهو يحمل سيرة إدارية ثرية لقامة سعودية ثقافية سامقة، ولا جرم في أن من يكتب عن رجل مثل غازي القصيبي، فلا بد أنه سيواجه صعوبات جمة تُعيقه عن الإلمام ولو بشيء يسير من حياته.

فالدكتور غازي متعدد المواهب، ومنوع الثقافات، ولا شك في أن مقولة علمائنا الأوائل التي تقول »الأدب هو الأخذ من كل علم بطرف« تنطبق على شخصيته، فهو الشاعر المبدع والروائي المميز والكاتب البارع والإداري المحنك والمفكر الإسلامي الأصيل.

ما أروع أن يطّلع طلابنا على سيرة حياة إدارية وإنسانية، تجسدت فيها آيات الإخلاص والتضحية والعمل الدؤوب والانضباط والتنظيم الصارم للوقت.

ولا شك أنه أمر محمود أن يتخذ طلابنا من تلك التجربة نبراسا لهم في حياتهم العلمية والعملية، وما أجمل أن يدرس أبناؤنا حياة مسؤول مخلص صادق مثل القصيبي، الذي كان يردد دائما دعاءه المأثور »اللهم لا تجعل الناس في خدمة طموحي، واجعل طموحي في خدمة الناس«.

كان يعدّ وظيفة وزير مسؤولية وليست منصبا أو مغنما، وكان يُباشر بنفسه مهمات عمله مهما صَغُرتْ بكل إخلاص وتفان، فتجده في غرفة سنترال شركة الكهرباء للرد على الناس المنزعجين من انطفاء الكهرباء، وتجده أيضا يزور المستشفيات زيارات مفاجئة للاطمئنان على سير العمل فيها، وكذلك تجده سائقا للإسعاف محاولا فضّ الزحام في أيام الحج.

فما أجمل أن يدرس أبناؤنا سيرة الوزير الإنسان الذي يعود إلى بيته مُحمّلا بهموم الناس وأوجاعهم، وعيناه مغرورقتان بالدموع بعد زيارته مرضى شبابا في عمر الزهور، وقد ألزمتهم الإعاقة البقاء على الأسرّة البيضاء.

وما أجمل أن يدرس أبناؤنا حياة رجل نذر حياته لخدمة دينه ووطنه وولاة أمره، وخدمة وجوه الخير، فالقصيبي أول من أنشأ جمعية لرعاية المعوقين في المملكة.

وما أجمل أن يدرس أبناؤنا حياة مثقف، ومُفكر اختلف مع بعض مناوئيه في مطلع التسعينات حول بعض القضايا الفرعية، ملتزما بآداب الحوار والاختلاف، وقارع الحجة بالحجة في حياد وموضوعية، مُفرّقا بين الأفكار والأشخاص، وإثر ذلك ألّف مجموعة من الرسائل، أسماها »حتى لا تكون فتنة.«

وختاما، أرجو من الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم، أن يلتفت إلى شعر الدكتور غازي وأدبه، ويلحق بمناهج اللغة العربية شيئا من شعره.

رحم الله غازي القصيبي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia