Al-Watan (Saudi)

معلمي العزيز/ معلمتي العزيزة

- فاطمة السهيمي

سلام عليكم ورحمات من الله وبركات.. طبتم وطاب مسعاكم. لست أعلم ما هي ظروف زميلي الذي تلتصق طاولته بطاولتي، وكتفه بكتفي.. ثوبه كثوبي، وقلمه أزرق كقلمي، ولدينا نفس الكتب ونفس الأدوات.. سأتكلم هنا عن نفسي فقط، زميلي يشبهني كثيرا، لكن ليس بالضرورة أن تكون ظروفنا ورؤانا وأحلامنا متشابهة، لذا سأتحدث عن نفسي. أعيروني أسماعكم؛ فلطالما فعلت ذلك، بل مضى عمري وأنا أفعل ذلك منذ كنت في السادسة من العمر، وحتى لحظتي هذه، وسأظل لسنوات أخرى. لذا أعيروني أسماعكم، ففي وقت مبكر من الصباح، صباح كل يوم يقوم والدي أو والدتي أو كلاهما، وأحيانا يستعينان بصديق من شقيقة أو شقيق، يقومون بانتزاعي من فراشي الوثير بعد أن يطفئوا مكيفي الأثير، ويشعلوا جميع مصابيح الغرفة، ضاربين بدعوات توفير الكهرباء عرض الحائط، ومضحين بثمن الفاتورة الباهظ في سبيل إيقاظي، ليس إيقاظي، بل انتزاعي من أحلامي الجميلة، فوقتها أكون طائرا بين سرب من الطيور المهاجرة إلى السماء؛ حيث لا مدارس ولا مذاكرة ولا واجبات، أو أكون مبحرا عبر سفينة عملاقة تخترق المحيطات باتجاه أرض مجهولة لم تتعرف على المدارس بعد، أو أكون في غابة مجهولة الأدغال أمتطي أحد الأسود، وأصطاد الغزلان بسهامي الذهبية، وربما كنت نائما في أحد كهوف المريخ أو مستلقيا على رمال القمر ثم أساق سوقا إليك يا معلمي العزيز /ويا معلمتي العزيزة، وأنا لم أشبع بعد من أحلامي، ولم يكن الوقت كافيا لأعود من كهوف المريخ ورمال القمر ومجاهل الغابات وفضاء السموات وعباب المحيطات، حتى يتم حبسي في هذه الحجرة الضيقة المسماة فصلا. فصل بالفعل، فصل بين أحلامي الوردية وواقعي الأغبر، فصل بين فضائي الرحب ومدرستي الضيقة. حسنا، أعلم أنه يجب أن أتعلم، يجب أن أذهب للمدرسة، يجب أن أنهض من نومي لكي أحقق أحلامي لا أن أظل حالما مدى الحياة. وأعلم أن والديّ يوقظانني بدافع الرحمة والحب، وأعلم أن المدرسة وضعت من أجلي، وأن المعلمين والمعلمات يستيقظون مثلي على مضض، ويغادرون فرشهم الوثيرة مبكرا لاستقبالي وصنع مستقبلي، وأنا أقدر لهم ذلك، لكن أرجوكم بدلا من إفراغ وابل التقريع والشتم على رأسي الصغير جربوا إفراغ جعبة الحب واللطف والعطف والتحفيز، كم أحتاج لذلك، بل هو ضمن أحلامي الفضائية عندما أغادر مع الطيور للمريخ والقمر، عندما تزعجكم بعض تصرفاتي الطائشة، جربوا أن تبتسموا بدلا التجهم في وجهي، جربوا الصفح بدلا من تحويلي للإدارة، جربوا أن تذكروني بأنني شاب صالح أو فتاة نبيلة، جربوا أن تخبروني أنني أذكركم بابنكم الحبيب أو ابنتكم الغالية. جرب معلمي العزيز.. معلمتي العزيزة أن تقول لقد أخطأت وبإمكاني عقابك بالطرق النظامية لكني لن أفعل لأنني أحبك، ولا يطاوعني قلبي أن أسبب لك أي نوع من الأذى حتى لو فعلت أنت ذلك!! جرب أن تقول ذلك، وبدلا من أن تخبرني أن الفصل أمس كان أجمل لأنني كنت غائبا، جرب أن تخبرني أنك افتقدت وجودي أو اشتقت إلي!! بدلا من أن تستخدم فراستك وتكتشف أن غيابي كان تهربا من اختبارك المعقد، وليس بسبب المرض كما أدعي، جرب أن تقول لي لا بأس عليك طهور إن شاء الله! وبدلا من إخبارنا أننا جيل فاشل اتكالي ضائع محمل بأمراض الكسل والخمول وانعدام الطموح.. أخبرونا أننا أمل الوطن الباسم وفجره الموعود، وأنكم تتوقون لرؤيتنا نقود دفة التنمية ونصنع غد أمتنا المجيد. بدلا من إخبارنا أنكم في عمرنا كنتم تعولون أسرا، وتفتحون بيوتا.. جربوا أن تخبرونا أنكم كنتم تخطئون مثلنا وتتعثرون ولديكم نفس المشاكل ونفس الأفكار. جربوا أن تعلمونا بالحب وتستقبلونا بالحب، حاولوا أن تتغاضوا عن أخطائنا وتتجاوزوا عن هفواتنا وتفسحوا لنا قلوبكم الخضراء لننام فيها ونسترخي عوضا عن رمال القمر. وعندها ربما أنهض وحدي والمكيف لا زال يعمل والمصابيح لا تزال نائمة وأذهب أنا لاستقبالكم واستقبال أحلامي.

F.Sahimi@alwatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia