Al-Watan (Saudi)

وطن برتبة أمة

- فاطمة السهيمي

خلال عودتي من عملي، شاهدت طائرة الهيلكوبتر التي كانت تحمل جثمان آخر شهداء الحد الجنوبي من أبناء منطقتي، أبناء سهول تهامة المخلصين الشجعان، آخر الأرواح التي بذلت نفسها لتبقى بلادي شامخة، ولتبقى مدرستي التي خرجت منها للتو منارة للعلم والنور، وليست ملجأ من نيران العدو وطلقات الرصاص، ولتبقى طالباتها اللاتي درّستُهن للتو في أمن على الروح والعرض، ولتبقى الشوارع التي سلكتها تتدثر بالهدوء والطمأنينة. وفي الوقت نفسه، كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- يلقي كلمة المملكة في قمة القدس التي عقدت في شرق بلادي الجميل. تلك الكلمة التي لم يبدأها خادم الحرمين بالحديث عن 119 صاروخا حوثيا أطُلقت على مدن المملكة المختلفة -كما توقع المحللون والمتابعون- بل بدأها بالحديث عن القدس التي ما زالت قضية المملكة العربية السعودية الأولى على مدى العصور. فما الدولة الأخرى التي تبدأ بقضية عربية إسلامية على قضية وطنية مُلحّة لدولة في حالة حرب منذ بضع سنين؟! ذلك لأن المملكة العربية السعودية دولة برتبة أمة. ما بين شرق الوطن الذي فرد ذراعيه محتضنا قادة الدول العربية في القمة التاسعة والعشرين التي أطلقت عليها قمة القدس، وناقشت قضيتها والقضية السورية قبل مناقشة الصواريخ الحوثية التي أمطرت مدن المملكة، مستهدفة أرواح المواطنين. ربما لأن الحوثيين وإيران لديهم يقين تام أن كل مواطن سعودي هو جندي يرتدي ثوبا أبيض، وكل مواطنة سعودية هي مجاهدة ترتدي عباءة سوداء، وكل طفل سعودي هو محارب يرتدي بدلة رياضية خضراء، وأمام مشهد شهيد ديرتي المسجى بالوقار، وعلى خلفية رحلة ولي العهد التي شملت أعتى دول العالم، وعلى صدى كلمة خادم الحرمين الشريفين في شرق الوطن أمام زعماء جميع الدول العربية، وعلى وقع انتصارات جنودنا البواسل في الجنوب، وعلى بعد أمتار من مدرستي الآمنة، وشوارعها المطمئنة، وفي زحام الفخر حتى النخاع بالوطن، وتوالي النعم بعد النعم، أدركت أن السعودية ليست وطنا، ولكنها أمة، فخشعت جوارحي وأنا أردد »رب اجعل هذا البلد آمنا،«.. وأغمضت عيني على وطني.

F.Sahimi@alwatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia