Al-Watan (Saudi)

كيف غزا البودكاست الإعلام

- عبير خالد

بث مقاطع صوتية عبر الإنترنت على شكل »بودكاست« يمكن تحميله والاستماع إليه أي وقت، لم يقض مضجع الراديو التقليدي فحسب، بل بات صناعة بحد ذاتها حديثا، وأصبح هناك عدد لا يستهان به من المعلنين يفضلون التعامل مع شركات إنتاج البودكاست بدلا من شركات الراديو التقليدية. وبينما لا توجد إحصائيات رسمية حول شعبية مختلف برامج »البودكاست« في دول الخليج والسعودية، يوجد في أميركا ما يقارب 112 مليون مستمع للبودكاست، أكثر من نصفهم مستمعون منتظمون شهريا. هذا الرقم هو أعلى منه العام الماضي بمعدل 11 % وفقا لمجلة »فوربس«. ورغم أن »البودكاست« كصناعة ليست بحديثة، حيث إنها بدأت قبل عقد من الزمن وقد تضررت مثلها مثل غيرها بقدوم مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنها استطاعت أن تستعيد توازنها. يذكر أن نسبة نمو صناعة البودكاست عادت للنمو بشكل منتظم. فما هو سبب هذا النجاح المستمر بالوتيرة المتزنة لصناعة البودكاست؟. السبب في ذلك قد يكون كون استهلاك البودكاست لا يتطلب وجود شاشة، سواء شاشة جوال أو كمبيوتر، الأمر المنهك مع كثرة وقت الاستهلاك للمحتوى. والسبب قد يكون أيضا في أن »البودكاست« يعمل بمثابة راديو لكنه يبث بشكل أكثر مرونة وسهولة عبر الإنترنت. والسبب قد يكون في أن البودكاست ينقل التأثير بشكل يناسب ذائقة الأشخاص الذين يميلون للمحتوى المسموع عن المقروء. والسبب قد يكون له علاقة بوسائل المواصلات، حيث كشف عدد من الدراسات أن الناس يحبون الاستماع لمحتويات »بودكاست« أثناء تنقلهم بالقطار أو السيارة أو غيره. وهناك عامل أهم في صناعة البودكاست، من وجهة نظري، قد يكون هو المتسبب في استمرارية تألقها، وهو التخصصية. معظم إن لم تكن كافة برامج البودكاست متخصصة بجانب معين سواء طرح قضايا عاطفية، أو مواضيع كوميدية، أو دراما، أو سياسية ولكن من النادر جدا أن تجد محطة بودكاست تتسم بطابع القنوات التلفزيوني­ة التي تغطي في أخبارها أحداث الساعة بشكل عام ودون أي تخصصية تذكر. فعلى سبيل المثال، مما يثبت جدية محتويات البودكاست واختلافها في الطابع والعرض عن برامج التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، دراسة أصدرها مركز »بيو« الشهير للأبحاث. تقول الدراسة إن معدل المتوسط لمقاطع اليوتوب يتراوح من دقيقتين إلى دقيقتين ونصف الدقيقة، والمعدل المتوسط للقصص الخبرية المتلفزة يتراوح بين نصف إلى ثلاثة أرباع الدقيقة الواحدة، ولكن الأمر يختلف تماما بالنظر للبودكاست، حيث إنه عادة يتم تخصيص حلقة متوسط مدتها خمسة عشر دقيقة لمناقشة موضوع يهم الفئة المستهدفة جماهيريا من البرنامج. وكذلك تم التوصل إلى أن متوسط الاستهلاك الجماهيري لمحتويات البودكاست يتراوح بين خمسة عشر إلى عشرين دقيقة. وهذا الوقت الطويل المستخدم في طرح قضايا تخصصية يعكس العمق النوعي والوعي الكبير الذي تتسم به محتويات البودكاست. المحتويات القصيرة في الوقت غالبا تفتقر إلى العمق البحثي والبعد الإيديولوج­ي في تغطيتها للأمور، وهذا يتنافى مع طابع برامج البودكاست. باختصار، وجود ونجاح وشعبية برامج البودكاست يؤكد الفكرة القائلة أن المحتوى هو سيد الموقف هذه الأيام، وأن الرهان على وعي الجماهير هو رهان خاسر بلا شك.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia