Al-Watan (Saudi)

الغائر من الأقوال في غسل الأموال

Opinion@alwatan.com.sa فاكس: 0172273756

-

يُشاع أن غسل الأموال من الجرائم التي يُستعصى تقصيها، لتعدد أساليبها ولذكاء مرتكبيها، فما يلبث المتابع إلا أن يلحظ مساعي حثيثةً لاستحداث أساليب أكثر مكرا وخبثا، وما هم بذلك إلا خائبين. فرغم وفاء مرتكبيها لجرائمهم الآسنة، إلا أنها ستظل خائرة أمام جسارة الدولة في مناكفتها، إذ إن دهاء أفعالهم لن تلقى إلا مجابهةً أشد بأسا من عزائمهم الصاغرة. ومهما بلغ خبثهم في هندسة جرائمهم، إلا أن مصيرها الرصد، وإن طال أمدها. فماير لانسكي وآل كابون وبابلو سكوبر، رغم سطوتهم وسلطتهم ودهاء حيلتهم، ورغم ضعف المعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال آنذاك، إلا أنهم في نهاية المطاف انكشفوا واستبان أمرهم، فما بال المتفائل من مثيل هؤلاء اليوم؟

ليعلم المستبشر أن جميع جهات الإبلاغ يقظةٌ ونشطة لرصد أي اشتباهات، حتى وإن كانت متصلة بعمليات ضئيلة من ناحية المبالغ. إذ يشرع بعض مرتكبيها إلى تقسيم الأموال المراد غسلها لتتم هيكلتها، ظنا منهم أن في ذلك تخطيا للرصد، وما الصواب إلا علقمٌ في أفواه هؤلاء. فالمعيار لا يعتمد على مقدار الأموال التي تتم مراقبتها، بل على ظروف وملابسات أخرى يتأتى كشفها خلال المواكبة المستمرة للمستجدات، والتنبؤ الحاذق لاستحكام الرصد والإبلاغ.

ومن المهم، الإشارة إلى حجم الاشتباهات التي يتم الإبلاغ عنها كل عام، إذ تؤكد الإحصاءات الصادرة عن الإدارة العامة للتحريات المالية، أن آلافا من الاشتباهات يتم تلقيها من جهات مختلفة، لا سيما من المؤسسات المالية التي تشكل النسبة الأبرز باعتبارها منفذا رئيسيا لإحلال الأموال في النظام المالي.

وفي المقابل، تؤدي التحريات المالية دورا جوهريا وفاعلا في تحليل ودراسة تلك البلاغات، إذ تتعزز خلالها القدرة على المضي نحو اقتفاء أكبر قدر ممكن من الإثباتات التي تسهم في مساندة جهات الاختصاص في استكمال أدوارها المترادفة.

وفي سياق متصل، تشهد المؤسسات المالية تناميا من ناحية إجراءات الرصد والمراقبة، وما ذلك إلا حصيلة ما آلت إليه الجهود المستمرة التي تبذلها كل من مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية. إذ تتم متابعة المؤسسات المالية التي تخضع إلى إشرافِهما للتثبت من سلامة وفاعلية الإجراءات المتبعة، ولتقصي مواطن الضعف ومتابعة معالجتها مع إيقاع الجزاءات المناسبة، والتي جرى تعزيزها وفقا للمادة الخامسة والعشرين من نظام مكافحة غسل الأموال.

إن الجهود المبذولة تعززت بشكل ملحوظ إثر إنشاء اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال، إذ أسهمت اللجنة في إدخال المملكة في مرحلة متطورة من ناحية مستوى وصرامة الإجراءات المطبقة. لا سيما أن التزام المملكة في تنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي »فاتف« ينبعث في جوهره خلال جهود اللجنة التي تعمل على وضع الخطوات المناسبة لتنفيذ تلك التوصيات ومتابعة تطبيقها، سعيا إلى الاتساق مع المعايير الدولية التي تُعزز من مكانة المملكة إقليميا ودوليا. ولعل ما يقوّي ويمتن من دور اللجنة هو الصلاحية الممنوحة لها، والتي تمكّنها من الرفع المباشر إلى المقام السامي بشأن أية عراقيل تتسبب في عدم تطبيق التوصيات لدى الجهات المعنية.

ختاما، تبقى الأقوال الغائرة عجفاء عند متابعة النتائج الفعلية لجهود الدولة، فلا ريب في أن المملكة تتمتع بأطُر متينة لم تتأت حصيلة جهود وقتية، بل هي امتداد لمساع دؤوبة في دعم وتعزيز الإمكانات اللازمة لمكافحة غسل الأموال.

فالتطورات المستمرة تؤكد دوما أننا نمضي قُدما في تكوين أنموذج يُحتذى به دوليا، ويتماشى مع المكانة الصاعدة التي نزهو بها لنتهلل بخيبة كل من رام إلينا ليواري وِزر ما اجترم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia