Al-Watan (Saudi)

ضحايا مستشفى النماص وصحة عسير مكانك راوح

- سعود الشهري

في 2005، لقيت امرأة وجنينها حتفهما إثر تلوث في الدم، بسبب خطأ طبي في مستشفى النماص العام، وفي 2009 توفيت معلمة إثر عملية جراحية في المستشفى ذاته، وأما في 2013 وفي المستشفى ذاته، توفيت امرأة في العقد الرابع بعد إجرائها عملية استئصال المرارة، وفي 2015 توفيت سامية سعيد الشهري تحت ظروف لا يُعلم أكانت عائلتها هي المتسببة أم المستشفى، وفي المستشفى ذاته، وفي 2018 وقبل 5 أيام ولد المولود و»أنجاه الله« ورحلت أمه »تغريد« إلى رحمة الله. ولنأخذ حالة »تغريد« كونها »أسخن« الحالات وأحدثها كأنموذج للتساؤل المنطقي. فهذه الفتاة جاءت إلى مستشفى النماص العام للولادة، وحدث لها نزيف حاد ولم يقبلها مستشفى عسير المركزي، لكون حالتها »غير مستقرة«، ثم أرادوا نقلها إلى التخصصي لكن الإخلاء تعذر لعدم استقرار الحالة أيضا، وهنا أستغرب من مستشفى عسير المركزي الذي يرفض استقبالها بحجة عدم استقرار حالتها، فإن كان المستشفى ليس هو من يستقبل الحالة لينعشها ويجعلها مستقرة فمن سيستقبلها إذن؟! وزارة النقل مثلا؟! أم إنهم ينتظرون أن تأتيهم حالات سليمة تماما ترفل في ثياب الصحة لينزلوها »فندق« العناية المركزة؟! فلم أنت مستشفى إذن؟! إن ما حدث لـ»تغريد من نزيف بعد ولادتها هو حالة معروفة ومعهودة وغير مفاجئة »طبيا«، وتُعرف بنزيف ما بعد الولادة ‪Postpartum Hemorrhage‬ ، وهي تحدث بنسبة 5% لدى الأمهات خلال ولادتهن أطفالهن، والمتعارف عليه طبيا أن هناك عوامل تزيد احتمالية حدوث هذا النزيف ‪Risk Factors‬ ، أهمها: سمنة المريضة، وهل حدث لها نزيف في وضع مولود سابق، وهل حجم الجنين أكبر من المعتاد، وغير ذلك، وحسبما صرحت المصادر أن »تغريد« -رحمها الله- تعرضت لنزيف ما بعد الولادة، وبهذا يمكننا استثناء مضاعفات الولادة الأخرى. فإذا تحدثنا عن هذه الفتاة وعملية نزيف حدثت لها، فإنه من المنطقي أن نسأل: هل اتخذت الإجراءات الاستباقية لهذه المريضة؟ أي، هل تم وضع عوامل الخطورة التي سبق ذكرها في الحسبان؟ هل تم تسجيل أن هذا المولود كبير الحجم؟ سبق أن تعرضت لنزيف في حمل سابق؟...إلخ. علما بأن هناك من يحدث لها نزيف ما بعد الحمل PPH وليس لديها أي عامل خطورة أصلا، وهذا يوجب اتخاذ الحيطة مع أي حامل، ولا يقال بالاعتماد على عوامل الخطورة فقط، فإن وجدت فهي مدعم للإجراءات فقط لا محدثة لها. وعلى نطاق أوسع من مستشفى النماص العام، فإنه كما علمنا أنه ليس لديهم استشاري أمراض نساء وولادة، وإنما لجؤوا إلى الاستعانة بمستشفى التخصصي »بالاتصال المرئي«،! وهم في ذلك يذكرونني بأناس كانوا يرقون المرضى عن طريق الاتصال بالجوال! ولنتساءل أيضا: لماذا يتم تكديس الاستشاريي­ن -القليلو العدد أصلا- في المدن الكبيرة وتترك المدن الأصغر؟! ولماذا فوق هذا كله تقوم الهيئة السعودية للتخصصات السعودية بالتفنن في خلق العقبات أمام الأطباء المتقدمين للدراسات العليا والتخصصات المطلوبة، فتزيد من المشكلة فقما، فيبقى »هوامير« التخصص من الاستشاريي­ن في المدن الكبيرة، ويبقى عدد الأطباء في التخصص أصفارا؟! بدلا من أن تقوم هذه الهيئة بسد العجز في الكادر. من وجهة نظري، فإن منطقة مثل »النماص« تحوي كثافة سكانية لا يستهان بها، شأنها شأن كثير من المحافظات -فئة أ تحديدا- لا بد من دعمها إن لم يكن بمستشفى مركزي فبكادر صحي يحوي استشاريين -وضع تحت هذه خطا أحمر- لنستغني عن الاستعانة بصديق عبر الاتصالات المرئية وجلب الاستشارات. كما أن للهيئة السعودية للتخصصات دور في ندرة الأطباء، بمنعها كثيرا منهم من الالتحاق بالبرامج التخصصية بعقباتها التي تجددها عاما تلو عام. كما أن آلية التواصل بين المستشفيات العامة والمركزية تحتاج إلى إعادة نظر وتنسيق سريع منضبط، فكيف يتم إرسال حالة من المستشفى العام إلى المستشفى المركزي بقطع مسافة تزيد على 140 كلم، وعند وصولها إلى المستشفى المركزي تُرفض بحجة أنها غير مستقرة؟! وإذا كانت غير مستقرة فما وظيفة المرافق الصحية إذن، إن لم تقم على الحالات المرضية وتعمل على استقرارها؟! ختاما، فإن مثل هذه السلسلة المتسلسلة من الوفيات في هذه المستشفيات »المخيفة«، تنتظر تصحيحا فوريا من وزير الصحة، الذي يشهد له تاريخه المهني بالإنجازات البارزة، ومثل هذا المستشفى لا أظنه سيقف عقبة في وجهه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia