Al-Watan (Saudi)

شجون المغتربين وشؤون الوزارة

- فاطمة السهيمي

المعلم الحقيقي يترفع تماما عن النقد العشوائي المفتقد للاحترافية المهنية والمنطق، كما يترفع عن تبني الآراء السلبية التي تكشف جهلا بالقوانين والأنظمة

انتهت حركة النقل التي طال انتظارها، ولم تكن نتائجها على مستوى التطلعات، وفيما ابتلع المغتربون والمغتربات غصة الخيبة والألم، انطلقت الرسائل السلبية من كل الاتجاهات، وغصت بها برامج التواصل الاجتماعي، وتزامن ذلك مع توجهات الوزارة، لجذب المعلمين للدورات التدريبية بحوافز مختلفة، منها الأفضلية في النقل، مما عده البعض استغلالا لحاجة المغتربين، فيما ترى الوزارة أنه لمصلحة المعلم والعملية التعليمية.

إن المعلمين بكل أطيافهم ليسوا ملائكة منزلين، بل هم بشر يعتريهم الخوف وتتملكهم الخيبة، يعيش بعضهم ظروفا إنسانية قاسية لا يعلم تفاصيلها سواهم، ومن الطبيعي أن تكون ردود أفعالهم تحكي مرارة الحلم حين يتبدد في لحظات، وقسوة الحياة حين تضن بتحقيق الأمنيات، ولكن من جهة أخرى فإن مكانة وقيمة المعلم وعقليته الاحترافية تجاه مهنته السامية الشريفة النبيلة، والتزامه بأدواره الوطنية الكبرى التي انبرى للقيام بها في كل الأحوال والظروف، تحتم عليه التعاطي مع الأحداث بكثير من التثبت والثبات، والصبر والتجلد، بحيث لا تخرجه المعطيات والأحداث التي لا تسير -نظريا- لمصلحته عن الإطار الأنيق المحترم للمعلم السعودي، باعتباره قدوة قبل كل شيء، فيحاور بأدب ويناقش باحترام ويتحدث بمصداقية، ويتعاطى مع الأحداث باحترافية، ويسيطر المنطق والواقعية على طرحه الخاص والعام، دون أن ينساق إلى الأطروحات الخاوية والرسائل السلبية مجهولة المصدر التي تطبل للاحتقان وتوسيع الهوة بين المعلم والوزارة.

فالوزارة للمعلم، هي كالمعلم أو الأستاذ الجامعي بالنسبة للطالب، كما ذكرت في مقال سابق، فحين يتخذ قرارا يحب أن يرى القبول من طلابه، فإن لم يكن فاحترام مرجعية القرار، أو على الأقل ردة فعل حضارية متزنة تعكس الاحترام المتبادل بين الطرفين، ولأن المعلم هو الطالب في هذه المعادلة البسيطة، فإنه ينتظر من معلمه الاحتواء والأمان والاستقرار، وأن يشركه في اتخاذ القرارات المصيرية، وأن يقدم لقراراته بلقاء مفتوح يشرح فيه ماهيته وأهدافه وغاياته البعيدة والقريبة، بدلا من ترك باب الإشاعات والتأويلات والتفسيرات مفتوحا على مصراعيه، لتفسر جميع القرارات بأنها ضده والهدف منها زعزعته واستفزازه، مما يتسبب في إيجاد فجوة بين الطرفين يصعب ردمها.

إن المعلمين والمعلمات يدركون تماما دورهم الكبير في خدمة المجتمع والوطن، ويسعون إلى التطوير ويرحبون به، لكنهم يتساءلون عن جدوى الطريقة وملاءمة الزمن الذي تم اختياره لتنفيذه، كما وأنهم يعلمون أن حركة النقل الخارجي من أكبر التحديات التي تواجه الوزارة، وليس من السهل تحقيق رغبات عشرات الآلاف من المعلمين، ويقدرون جهود الوزارة في تحقيق الاستقرار لأكثر من %87 منهم، كما أعلن الوزير مؤخرا، لكنهم ينتظرون قبل كل حركة نقل بفترة كافية أن تعلن النسب المتوقعة والإحصاءات على مستوى التخصصات والرغبات، حتى لا يعيش المعلمون والمعلمات، على آمال كبرى تنهار في لحظات، وتسرق منهم فرحة إجازتهم المنتظرة التي تجمعهم بأهلهم وعوائلهم.

وهكذا فإن المعلم الحقيقي يترفع تماما عن النقد العشوائي المفتقد للاحترافية المهنية والمنطق، كما يترفع عن تبني الآراء السلبية التي تكشف جهلا بالقوانين والأنظمة، ولكنه يطالب الوزارة أيضا بالتعامل معه بالقدر نفسه من الاحترام والمشاركة، فالتعليم عملية مشتركة بالغة التعقيد، يستحيل على أحد أطرافها النجاح دون مشاركة الأطراف الأخرى.

وإذا كانت هناك شريحة من المعلمين لا تؤدي رسالتها كما ينبغي، وهو أمر نعترف به، لكنه أمر يحدث في جميع المهن الأخرى بلا استثناء، فقد آن للمعلمين والمعلمات -وهم الأكثرية- أصحاب الخبرة والامتياز أن يكرموا على أوسع النطاقات، ويحظوا بكافة الامتيازات، وأن يشاركوا في صياغة قرارات الوزارة، فهذه أفضل طريقة للحفاظ على توهجهم ونجاحهم، كما أنها الطريقة الأفضل لنجاح تلك القرارات وحصد ثمارها.

وفق الله المعلمين والمعلمات ووزارتهم وجميع من وما يرتبط بهم في شبكة التعليم المعقدة، إلى خير البلاد والعباد، من أجل الأجيال الواعدة، ومن أجل مستقبل أجمل وأفضل، ومن أجل أن تبقى راية المملكة العربية السعودية مرفوعة مدى الزمان!.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia