Al-Watan (Saudi)

تشجيع العمل التطوعي وفلسفة الأرقام

- نادية الشهراني

أقترح أن تسهِّل كل جهة لموظفيها ومنسوبيها تسجيل أعمالهم وساعاتهم التطوعية، وكذلك تسجيل رغباتهم التطوعية والمجالات التي يمكنهم التطوع فيها بصورة رقمية

رسم مهندس الرؤية سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد يحفظه الله، خارطة التطوع في وطننا من جديد عندما أدرجه ضمن الأعمدة المهمة في الرؤية، وذلك ضمن محور »وطن طموح«.

إذ يعتبر العمل التطوعي رافدًا أساسيا في بناء المجتمعات المتطورة؛ فعندما يتطوع القادرون بالوقت والجهد البدني أو الفكري لساعات محددة كل أسبوع أو شهر، حسب استطاعتهم وحسب المهارات التي يتقنونها أو اهتماماتهم، تنمو نسبة المشاركة المجتمعية في هذا المحور المهم، مما يعزز التكافل والدور الإنساني ويحقق فوائد كثيرة للمتطوع وللمستفيد.

في بريطانيا مثلا؛ تتطوع إحدى زميلاتي لمرافقة المسنين للتسوق صباح السبت وتقضي ثلاث ساعات مع أحدهم أسبوعيًا، تقول »آنا« إن التطوع فرصة لتصفية عقلها من ضغوطات الدراسة، وإنها تكون خلال هذه الساعات في أفضل حالاتها، لأنها تستشعر حاجة هذا المسن لمن يؤنسه خلال وحدته، كما أنها تستخدم بطاقة التطوع للحصول على تخفيضات في وسائل النقل وفي بعض مشترياتها الأساسية مما يخفف العبء المادي عنها. الحقيقة أنني أتفهم شعورها، فبعض الأعمال التطوعية تشعرك فعلا بقيمتك كإنسان وبالتالي ترتبط وجدانيا بفكرة التطوع وبالمبادرا­ت التي تنتمي لها حتى تصبح جزءًا مهمًا من يومك. الجدير بالذكر أن »زميلتي آنا« لا يمكنها التطوع بشكل عشوائي؛ بل كان لزاما عليها مخاطبة الجامعة للحصول على إذن بالتطوع، ثم خاطبت الجهة المسؤولة عن تسجيل المتطوعين وسجلت نفسها نظاميا كمتطوعة ببطاقة ورقم سجل تطوعي في الجهة التي تتبع لها، ليتم احتساب ساعاتها التطوعية ضمن نتائج الجهات التي قررت العمل ضمن فريقهم التطوعي.

هذا التسجيل حقيقةً يحوّل التطوع من وسيلة لتحقيق الرضا الشخصي إلى قوة اقتصادية واجتماعية ترفع الناتج وتقلل المصاريف وتحمي المتطوع، وكذلك تحمي الجهة التي يتطوع فيها بخبراته أو خدماته من أي عواقب لتطوعه؛ أي أنها تليق تماما بوطن طموح.

بالنسبة لي وللكثيرين تكمن روعة العمل التطوعي في لذة مساعدة الغير، تلك اللحظة التي تشعر فيها بأنك قدمت لشخص ما خدمة بلا مقابل إلا استشعار نعمة الله عليك بأن سخرك لقضاء حاجة أحدهم، تلك اللحظة التي ترضى فيها عن نفسك لصعودك درجة أخرى على سلم الإنسانية.

وبما أن القيادة الحكيمة تسعى لتمكين المسؤولية الاجتماعية ضمن الخطة الإستراتيج­ية للدولة، وذلك برفع مستوى تحمل المواطن للمسؤولية وصولا لوطنٍ طموح، وبما أنها اتخذت من تشجيع ثقافة العمل التطوعي مؤشرا أساسيا في هذا التمكين، فإن هذا الأفق العالي يقتضي تفعيل القوانين المنظِّمة للعمل التطوعي وضرورة تحويل كل متطوع إلى رقم، حسب فهمي البسيط لمؤشرات الأداء.

خلال كتابة هذا المقال تواصلت مع عدة شخصيات لاستوضح منهم عن الجهة المخولة بإحصاء المتطوعين، فوضح لي بعضهم أن هذا الأمر لم يبتّ فيه بعد.. ونصحوني بتوثيق ساعاتي التطوعية بمعرفتي! لكن القضية لا تخصني وحدي؛ فمن أهداف الرؤية الوصول لمليون متطوع في 2030، ولذلك أقترح أن تسهِّل كل جهة لموظفيها ومنسوبيها تسجيل أعمالهم وساعاتهم التطوعية، وكذلك تسجيل رغباتهم التطوعية والمجالات التي يمكنهم التطوع فيها بصورة رقمية ضمن المواقع الإلكتروني­ة للمنشآت، بحيث ترتبط كل المنشآت ومؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص وحتى الأفراد من متقاعدين مثلا من خلال خدمة أبشر بالجهة الرسمية المخولة للقيام بهذه الإحصاءات داخل الوطن وخارجه، ولتكن الهيئة العامة للإحصاءات مثلا أو مكتب تحقيق الرؤية؛ وذلك ليتم إحصاء كل المتطوعين في الوطن وفرزهم حسب مناطق سكنهم وجنسياتهم وأعمارهم وتخصصاتهم ونوعهم ومستواهم التعليمي ومجالاتهم التطوعية.

كذلك أتمنى من مسؤولي موقع الرؤية الرقمي ومكتب تحقيق الرؤية رقمنة المؤشر (6.1.2)، وهو الخاص بتشجيع العمل التطوعي من ملف الرؤية، وذلك بربطه خارجيا بعدادٍ لحظيٍ يحدَّث آليا مع كل متطوع يتم تسجيله ونشر هذا العداد بين الحين والآخر على حساب الرؤية في تويتر، بهذه الطريقة يتحول هدف المليون متطوع إلى رقم نشاهده ينمو أمام أعيننا، وبذلك نشجّع بقية الملايين على التطوع المؤسسي في جهاتهم للاستفادة القصوى من كل المتطوعين.. في التطوع وفي غيره من خطط الرؤية تظل الأرقام هي سيدة المشهد، الأحاديث تقبل التأويل والمجاز، أما الأرقام فهي دائما حقائق عنيدة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia