Al-Watan (Saudi)

إذا أخطأ أحد فهذا لا يعني أن الآخر على صواب

- ميسون الدخيل

حديثي اليوم إلى كل مَن يظن أنه يعرف كل شيء، يؤمن بأن الحقيقة دارت وحطّت في حَجْره! هو فقط من له الحق في الحديث، وهو فقط من له الحق في اتخاذ القرار، وبناءً على ذلك يكون القرار في مصلحة الجميع أو الفرد صاحب العلاقة، لا تهمّ ماهية الآلية التي اتبعها للتوصل إلى ذلك طالما أنه يمتلك الحقيقة، فهو لا يمكن أن يكون على خطأ! يتمسك بالنظام الذي يتبعه، لا يهم إن كانت هناك ذرة شك في أن فردا ما قد يكون ظلم، بسيطة، فكل ما على هذا الفرد هو تخطي هذه المرحلة، ومواصلة الطريق إلى هدفه، المهم ألا تتم مراجعة النظام! يرفض أن يتقبل فكرة أن غيره استغل هذا النظام لكي يوقع بأحد ما، وهو يعلم مسبقا ومطمئن إلى أنه لا أحد يستطيع أن يعترض أو يراجع أي قرار يصدر بموجبه!

من المقلق حقا أن يكون مستقبل إنسان، تاريخه وخبراته في يد فرد متعصب لرأيه، يؤمن إيمانا تاما بأنه لا يمكن أن يصدر عنه أي قرار خاطئ! وما يغيظ حقا أن يرى هذا الإنسان نفسه فوق الجميع، بما أنه قد وصل إلى مركز ما يعطيه الحق بألا يقدم أي تبريرات أو حتى يتبع أساليب التواصل الراقية مع من هم تحت إمرته! ليس مجبرا على أن يرد، وليس مجبرا على أن يشكر أو حتى يقدم أي نوع من الحوافز ولو كانت كلمة طيبة!

ثم هناك من يظن نفسه أنه يمتلك العلم والحقيقة، وينظر إلى القوي الآخر على أنه خطر عليه، ومن هنا يقوم بكل ما يلزم كي يبعده عن الطريق، قد يتبع سبل التطفيش والتضيق، وقد يتبع سبل التجاهل والتقليل من شأن أي عمل أو رأي أو جهد يقوم به هذا الآخر! ومنهم من قد يبادر بالهجوم والتصنيف للتشويش على كل منجز، بحيث ينفّر الآخرين مسبقا كيلا يتنبهوا إلى قيمة العمل، أو الرأي الذي يقدم إليهم!

وقد تجد أن هناك من تقدم إليهم الأدلة الموثقة التي تظهر بعض نقاط الضعف في مشروع ما كان لهم الفضل في إطلاقه، وبدلا من التنبه إلى ذلك الضعف، والعمل على تلافيه وتصحيحه، ومن ثم البناء عليه للتطوير والارتقاء من خلاله، يأخذ الأمر على أنه تعدّ وتطاول شخصي، فيتحرك ليعمل ويخطط على أن يظهر ضعف تلك الأدلة رغم أنها موثقة، وربما يعمل على إلغائها تماما! كيف؟ بالنظام ومن خلال علاقته بأصحاب النظام يضرب ضربته وينتقم، وهو يعلم تماما أنه لا أحد يستطيع أن يعترض أو يشكك في النتائج لأنه النظام!

وهناك من يترأس جهة معينة أو إدارة معينة، وحين يطلب منه أن يرشح أسماء من يظن أنهم الأفضل من أجل أن يكلفوا بمنصبه من بعده، يستبعد الأسماء القوية، ويرشح من يؤمن بأنه ضعيف، وبهذا يضمن ألا يأتي بعده من يتفوّق عليه في الإدارة، أو قد يجد ثغرات هو لم يتنبه إليها! يريد أن يقال إنه هو من كان الأفضل، ولن يأتي أي أحد بعده يستطيع أن يقوم بما قام به من إنجازات، لا يهم إن سقطت الإدارة من بعده، همه الوحيد أن يبقى اسمه لامعا، وأن من يأتي بعده لن يرتقي إلى مستواه!

أين يكمن الحل؟ الحل في يد القائد الذكي الذي لا يسمح بمثل هذه التجاوزات أن تمر عليه، لأنه لا يسمح بأن يتأثر بالتقارير التي تصل إليه مقروءة كانت أو مكتوبة، يتحقق بنفسه ويتواصل مع جميع منسوبي مؤسسته أو إدارته، يبقي سبل التواصل مع الجميع مفتوحة ويصغي إليهم، يتابع باستمرار ولا يدع أي شاردة أو واردة تمر عليه، القائد الذي يخطط لبناء قادة من بعده لإيمانه التام بأن العمل إن استمر في صعود من بعده فهذا يعني أن الأساس كان قويا، وهو صاحب هذا الأساس، القائد الذي يؤمن بإعطاء منسوبي إدارته أكبر قدر ممكن من الفرص حتى يقدموا ما لديهم من إبداعات، القائد الذي حين تقدم إليه أخطاء يعرف أنها لا تعني بالضرورة أن من قدمها على حق! فقد تكون تلك الأخطاء بسبب إهمال أو تعمّد ممن تقدم بالتقرير! وقد تكون الأخطاء التي تم إظهارها على أنها أخطاء ليست كذلك، بل هناك سبب ما، ثغرة ما، تغيّر ما، أظهرها على أنها أخطاء! القائد القوي هو الذي يؤمن بأنه ليس كاملا، وبأنه قد يرتكب أخطاء مثله مثل غيره، وهو الذي يعلم أن الحقائق لا تأتي من مصدر واحد، بل تأتي من مصادر متعددة، والأهم أنه لا يمتلكها وحده، بل يسعى إليها دائما.

إن أصحاب فكرة أننا على حق وغيرنا على خطأ، وأننا نمتلك الحقائق وحدنا وغيرنا جاهل، لديهم ثقة عالية، وهذا بالضبط ما سوف يطيح بهم »شكّا« على رؤوسهم! إليهم أتوجه بالحديث، وأقول: هل يحق لكم التطاول والتعدي على الغير لمجرد أنكم تعتقدون أنكم وحدكم الأذكياء أصحاب التفرد والتميز؟! هل يحق لكم إسكات الغير لأنكم تعتقدون أنهم على خطأ وأنتم دائما على صواب؟ فلتصغوا إليّ جميعا إذًا، كل ذلك لا يجعلكم بالضرورة على حق ولا على صواب! صدّقتُم أو لم تُصدِّقوا لا يهم، المهم أن الأيام تدور، ولا شيء يبقى على حاله.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia