Al-Watan (Saudi)

كفكامنا جلد الذات فالعرب عائدون

-

قد يقول قائل من هذا الواهم الحالم الذي يتحدث في عز خضام الأحداث الساخنة التي تضرب المنطقة والتي تحيط بها من كل صوب وحدب بأن العرب عائدون.

ففي ستينيات القرن الماضي خرج علينا الراحل الأبنودي وهو يترنم بـ(..... بأولادي بأيامي الجاية. ما تغيب الشمس العربية. طول ما أنا عايش فوق الدنيا).. هذه الكلمات المفعمة بحب الأوطان والمليئة بالثقة في النفس العربية قيلت إثر أزمة نكسة 1967، فبالرغم من الانكسار الذي تعرضت له أمتنا العربية، لم يغب يقين الشعب العربي بأن الانتصار قادم، وهو ما تحقق بعد 6 سنوات في حرب أكتوبر المجيدة.

قصدت أن أستهل بما سبق كي أدلل على تلك المرحلة والتي ليست بالبعيدة كيف كان أبناء الأمة يتغنون بأوطانهم؟ كيف كانت ثقتنا في عروبتنا وقوميتنا وفي رموز تلك المرحلة؟ وقد أجد في مقال الكاتبة عزة السبيعي، المعنون بـ(هل يشاهد الرئيس التلفزيون) رداً بليغاً على الأبنودي مع فارق الزمن، وهي تسطر عبر قلمها الذي لم ينفك عن هموم وآمال وآلام أمتها العربية، وذلك بعد أن شاهدت الفيلم التسجيلي للمخرجة ساندرا نشأت »شعب ورئيس« الذي تناول رأي المواطن في فترة حكم الرئيس السيسي، وكان من الطبيعي أن تسجل الكاتبة أيضا انطباعاتها كمواطنة خليجية عربية تعشق عروبتها، وهذا ليس بالشيء المستغرب، فقد تعودنا من أمتنا العربية أنها قد تمرض وتترهل بل تكاد تقول إنها تلاشت، ثم لا تلبث كثيرا حتى تعود وتنفض عن جسدها غبار اللائمين والمتلاومي­ن والمتربصين من الداخل والخارج.

الكاتبة لم تدر في فلك المشككين والمتشائمي­ن والمعصوبة أعينهم عن كل ما هو منجز، على العكس تماما مما يحدث مؤخراً، ففي الآونة الأخيرة وذلك بعد الإطاحة بالإخوان وتوابعهم خرجت علينا أقلام وللأسف الشديد من بني جلدتنا يتندرون، بل ويسخرون من قوميتهم وينعتوا أمتهم بمقولتهم الخبيثة (العرب ظاهرة صوتية.. العرب يتحدثون أكثر مما يعملون.. العرب يعيشون على أمجاد الماضي)، يرددون هذه الكلمات وهم يرمون إلى بث الإحباط واليأس ولم يهدفوا من وراء مقولتهم تلك للاستنهاض والاستفاقة، حتى تكاد تشتم من أحبار أقلامهم الشماتة.

هؤلاء لا يرون في تاريخ أمتهم إلا الانكسار والمهانة، يرون أنها أمة متخلفة فكريا وثقافيا ومتطرفة دينيا، وعلى النقيض الآخر لا يروا في الغرب إلا الحرية والديمقراط­ية واحترام حقوق الإنسان، هم دائما ما يعقدون تلك المقارنة الظالمة بيننا وبين الغرب، قد تكون الآن هذه المقارنة صائبة، ولكنهم – هؤلاء – تغافلوا أو تناسوا، أو دعونا نقول إنهم لم يقرأوا تاريخ هذا الغرب في القرن الماضي القريب، سيعلمون بأنهم لم يصلوا - أي الغرب - إلى ما وصلوا إليه إلا بعد حربين عالميتين وأيضا بعد أن تيقنوا وبالتجربة بأنه لابد من إبعاد الكنسية عن السياسية.

إن ما نحن فيه الآن، أو ما تمر به أمتنا هو ثمن للمواقف العظيمة التي اتخذها زعماؤنا الراحلون الذين جسدوا بالفعل وليس بالأقوال معنى القومية العربية، فما يحاك للأمة العربية الآن ومحاولة تركيعها وتفتيتها وزرع الخونة بين أحشائها، هو نتاج لتلك المواقف الصلبة التي اتخذها هؤلاء الزعماء. في حرب أكتوبر 1973 ولما أقامت أميركا جسرا جويا لتزويد إسرائيل بالسلاح عمدت السعودية بقيادة الراحل الملك فيصل والشيخ زايد وبعض الزعماء العرب إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزما، فأعلنت البلاد العربية تباعا وقف ضخ النفط إلى الولايات المتحدة، كما فرض حظر تصدير النفط إلى أميركا.

وإذا ما أردنا النظر قليلاً إلى ثورات الخريف العربي ونحن نعلم جميعاً من كان وراءها، ومن كان يديرها، ومن كان يسعى إلى رسم خريطتها، ومن كان يريد ومازال بشرقنا الأوسط أن يهد أركانه وأعمدته الرئيسة، ومن هنا جاءت وقفة الرجال »وقفة دول الخليج« بقيادة الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والذي كان له الدور الكبير في وأد تلك الفوضى التي عمت معظم الدول العربية وكانت مصر نصب عينيه.

هذه المواقف العربية غيض من فيض، علينا أن ننتظر ماذا سيكتب التاريخ – وليس الآن - عن اندلاع الثورات المشبوهة والخراب الذي حل على أمتنا العربية ابتداء من تونس ومرورا بمصر، ومن خطط وساعد، ومن تصدى ووقف لها بالمرصاد.

وفي خط مواز آخر، تجد اليد الأخرى التي تبني فحكامنا ورموزنا لم يكتفوا بمحاربة الإرهاب لكنهم جسدوا المعنى القائل »يد تدافع وتحارب ويد تبني وتشيد«.. فنجد الرئيس السيسي، يطلق رؤية مصر 2030، وهي إستراتيجية حكومية تسعى للنهوض بالبلاد إلى مصاف أفضل 30 دولة في العالم. وفي السعودية أيضا والتي قيض الله لها ذلك الشاب الأمير محمد بن سلمان الذي انطلق من رؤية 2030، مؤكدا على ضرورة تنويع مصادر الدخل القومي للمملكة وعدم الاعتماد على مصدر وحيد، بعد أن قاد ثورة ضد الفساد والمفسدين، وهو يقود الآن أكبر عملية إصلاح اقتصادي في تاريخ المملكة.

وعن دولة الإمارات فلا يخفى عن كل ذي بصيرة الإنجازات التي حققتها وما زالت تعتزم تحقيقها منطلقة من إستراتيجية اقتصادية طموحة.

ما ذكرته واقع تعيشه دولنا وليس من قبيل الأمل والتمني.. وكما قال الأمير محمد بن سلمان »عنان السماء هو الحد الأقصى للطموحات«، فالعرب عائدون..

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia