Al-Watan (Saudi)

المفهوم العصري للمسؤولية الاجتماعية

-

تمثل المسؤولية الاجتماعية قيمة أساسية في ثقافة المجتمعات المعاصرة، لاسيما الإسلامية منها، لأنها تعني في الأساس التكافل والتضامن والتعاون والتراحم، وهي قيم حض عليها الشرع الحنيف ونزلت بشأنها العديد من آيات القرآن الكريم، ووردت في أحاديث نبوية كثيرة. ومما يفخر به ويعتز أي مواطن سعودي أن شركات القطاع الخاص الوطنية ظلت تولي هذا الجانب اهتمامها، وتحرص على المشاركة في كثير من الأنشطة الخيرية والاجتماعي­ة، تعنى بالفئات الأكثر احتياجا، وتدعم الفقراء، تواسي هذا وتعين ذاك، وتسهم في كافة الأعمال التي تؤدي إلى تنمية المجتمع، والارتقاء بواقعه الاقتصادي والاجتماعي، ودعم مرافقه، الصحية والتعليمية. وقد حرص رجال الأعمال السعوديون على الاعتناء بالجوانب الإنسانية، إيمانا منهم بأن للأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق، لذلك أسهموا في تمويل الجمعيات الخيرية التي تعنى بمساعدة الفئات المحتاجة، وامتدت مشاركاتهم، وشهدت تطورا نوعيا خلال السنوات الماضية، مثل المشاركة في تمويل كراسي البحوث العلمية في الجامعات، بهدف الارتقاء بالمسيرة التعليمية، ودفع الجهود الرامية لإيجاد حلول علمية لكثير من المشكلات الاجتماعية، مثل الإدمان، والأمراض المزمنة مثل الفشل الكلوي وأمراض السرطانات وغيرها.

رغم هذه الصورة المشرقة، إلا أن الواقع الجديد الذي تعيشه بلادنا اليوم، وما أفرزه ارتفاع نسبة البطالة يحتم علينا التركيز على جانب أكثر أهمية وأشد إلحاحا، ينبغي أن توجه إليه الشركات الكبرى والمصارف ورجال الأعمال عنايتهم، وأن يمنحوه أولوية قصوى، وهو الإسهام في حل هذه المعضلة الكبرى، والإسهام في توظيف الشباب، وإيجاد فرص العمل المناسبة لهم، والتي تعصمهم من الوقوع فرائس سهلة في فخاخ الإرهابيين وأرباب الفتنة، أو الانحراف نحو إدمان المخدرات، أو غير ذلك من الانحرافات السلوكية والأخلاقية الأخرى. فالإحصائيا­ت الموثوقة تؤكد أن غالبية من انحدروا إلى تلك المزالق، وتورطوا فيها هم من فئة العاطلين عن العمل. وحتى نصل إلى تحقيق حلول جذرية، وإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، بالصورة التي لا تؤثر سلبا على الشركات والمؤسسات والمصانع، فإنه من الضروري رفع كفاءة الشباب السعودي، وتمليكه المهارات اللازمة للقيام بأعباء الوظائف الملقاة على عاتقهم، فالسعودة لا ينبغي أن تكون مجرد إحلال للسعوديين مكان الوافدين، بل من الضروري أن يكون الشباب الوطني قادرا على الإيفاء بمتطلبات وظيفته. وهذا لن يتأتى إلا عن طريق عقد الدورات التدريبية المتقدمة والعملية، والتي يقدمها مختصون ذوو إمكانات رفيعة. وحتى لا نطالب الشركات الوطنية بالتحول إلى مؤسسات خيرية، وتحمّل كافة تكاليف التدريب، فإنه يمكن عمل عقود عمل ملزمة بينها وبين الشباب الذين هم في حاجة للتدريب، بحيث يعملون لديها لسنوات يتم الاتفاق عليها قبل انخراطهم في الدورات التدريبية، وبهذا تضمن تلك الشركات أن ما تنفقه على التدريب سوف ينعكس عليها، عبر زيادة إنتاجية موظفيها. هذا المفهوم الجديد للمسؤولية الاجتماعية ينبغي إعلاؤه والتركيز عليه، لأنها ليست مجرد »شو إعلامي«، أو تظاهرة أمام عدسات الكاميرات، بل هي سلوك إيجابي ينبع من شعور عميق ومفهوم واسع.

رؤية المملكة 2030 أكدت على حتمية توظيف الشباب، وتبذل وزارة العمل مع الجهات المعنية جهودا كبيرة لأجل تحقيق هذا الهدف، لكن المطلوب أن لا يتحول تحقيق هذا الهدف إلى إلزام تقدم عليه مؤسسات القطاع الخاص وهي مكرهة، بل ينبغي أن يتم ذلك بصورة طوعية، بأن يتجاوب رجال الأعمال مع تلك الجهود وهم يضعون في حسابهم أنهم يشاركون في تحقيق واجب وطني نبيل، يفوق في أهميته مجرد تحقيق الأرباح المادية الآنية، وأن الوطن الذي يتشرفون بالانتماء إليه، والذي لم تدخر قيادته وسعا في سبيل دعمهم وتهيئة الفرصة أمامهم لتحقيق النجاح، ينتظر منهم المشاركة في حل مشكلة شبابه، وهم أعز ما تمتلكه أي أمة تريد النهوض.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia