Al-Watan (Saudi)

الصف الأول تقاعد

-

نعرف جميعا أن الحياة ما هي إلا مراحل ومحطات يمر بها كل إنسان، ولها نهاية حتمية لا مناص منها، ولا يساور الشك أحدا في ذلك على وجه المعمورة، مهما بلغوا من الجهل أو العلم، ومن المال أو الجاه، ومن الصحة أو البسطة.

وكلنا نعرف أن من مراحل حياتنا المختلفة، مرحلة الدراسة الفعلية، وبدايتها المرحلة الابتدائية، وأولى خطواتها الصف الأول الابتدائي، والمرحلة المتوسطة وأولى خطواتها الصف الأول المتوسط، وكذلك المرحلة الثانوية والجامعية، وهكذا كل مراحل الدراسة، تبدأ بخطوة أولى وصف أول، ونعرف أن كل مرحلة من هذه المراحل الدراسية من حياتنا تحتاج إلى تهيئة خاصة للأشخاص المنتمين إلى تلك المراحل، تتشارك فيها بعض مؤسسات المجتمع المختلفة، كالأسرة والمدرسة والجامعة وغيرها، كشراكة تعرف مجازا بالشراكة المجتمعية.

الهدف منها: تهيئة الطلاب نفسيا للمرحلة الجديدة، وإعلامهم بنظامها ومتطلباتها وكل ما يتعلق بها، خشية الاصطدام بواقعها ومتغيراتها ومستجداتها، فتؤثر عليهم سلبا.

كل ذلك مسلّمٌ به ولا خلاف فيه. لكن: هل هناك »صف أول تقاعد« على غرار ما ذكر آنفا في مراحل الإنسان الدراسية بصفة خاصة ومراحل حياته المهنية والعمرية بصفة عامة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يحتاج المنتمون إلى هذا الصف، أو بالأحرى المنضمون إلى هذه المرحلة الأخيرة من العمر إلى تأهيل؟ أم إن أعمارهم وخبرتهم في الحياة وخدمتهم الطويلة في أعمالهم كفيلة بدمجهم في حياتهم الجديدة »التقاعد« دون عناء أو قلق؟ وهل هناك جهات حقيقية أعمالها ملموسة على الأرض تعنى بأمر المتقاعدين فعليّا وليس شكليّا منذ تقاعدهم حتى وفاتهم؟

في الحقيقة، ترددت في طرح مقالتي هذه، ولكنني تشجعت بعد أن طرحتها على بعض المتقاعدين، فوجدت منهم تجاوبا فيه بعض التباين، لكنني أشكرهم على تفاعلهم.

بادئ ذي بدء، أجمعوا جميعا على أن مرحلة التقاعد تعدّ مرحلة انتقالية نوعية جديدة من مراحل العمر. بعضهم عدّها مخيفة »فراغ، ملل، وحدة« وبعضهم عدّها سعيدة »حرية، راحة، بسط« لكنهم تقريبا أجمعوا -لا سيما المتقاعدين نظاميا- على أن السنة الأولى من التقاعد تعدّ مرحلة صعبة، وتحتاج إلى تهيئة خاصة، لما يترتب عليها من تغيرات حياتية ونمطية جديدة، بعضهم شبهها بمراحل الدراسة المختلفة للطلاب، وأهمية تهيئتهم لكل مرحلة. فبعد أن ارتبطوا بعمل معيّن ينظم بين وقتهم وبين زملاء بينهم عِشْرة »وعيش وملح« سنين طويلة، ليس بالسهل ترك ذلك كله في لحظة.

ولعل من أهم استنتاجات النقاش، ما سأطرحه في نقاط: بعضهم تقاعد مبكّرا للهرب من تعب العمل، ويبحث عن الراحة والاستجمام. بعضهم تقاعد دون خطط مستقبلية زي ما »تجي تجي«. بعضهم ممن أحيل إلى التقاعد نظاميا، تمنى البقاء في عمله حتى يرتّب نفسه ووضعه قليلا. بعضهم تقاعد وعاد كما بدأ أول مرة »صفر«، لا بيت ولا مال. بعض المتقاعدين نظامياً تمنوا لو أنهم وجدوا تهيئة نفسية لمرحلة حياتهم الجديدة، فقد عانوا كثيرا من الفراغ بداية تقاعدهم. بعضهم عدّوا تقاعدهم أجمل أيام حياتهم. الجميع طالبوا ببرامج خاصة للمتقاعدين وأندية ثقافية وأدبية ورياضية وأنشطة تقتل فراغهم. بعضهم طالب بالاستفادة من خبرات المتقاعدين في الاستشارات وغيرها، كلٌّ حسب عمله ومجال تخصصه، بعضهم طالب بمميزات خاصة في المطارات وإنجاز المعاملات والمستشفيا­ت وغيرها.

أخيرا، عزيزي الموظف رتّبْ نفسك وهيئها قبل الانتقال إلى »الصف الأول تقاعد«، حتى تعيش هذه المرحلة من عمرك وأسرتك في أحسن حال.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia