Al-Watan (Saudi)

حُب عزة للجنوب

-

في إحدى حصص التعبير سألت معلمي قبل ستة وثلاثين عاما عن معنى (الوطن) فأجابني بأنه ضمير (حي) متصل بالروح لا يأتي مستقلا في النطق ولا في الكتابة، بل مرتبط بفعل أو اسم أو حرف. ظل هذا التعريف راسخا في ذهني شاملا لما سواه. ولكن يبقى الوطن من أصعب المفردات التي ستبحث عن تعريفها، وإن وجدنا تعريفا يذكر الارتباط التاريخي للشعوب ومكان إقامة الإنسان إن كان مسقطَ رأسه أو استقراره، فسيظل الأمر صعبا أيضا، لأنه يرتبط بشيء وجداني يميل إلى العاطفة أكثر من العقلانية، وله خصائص ترتكز بشكل رئيسي على الحب وما يتضمنه من أشكال مثل الاحترام والانتماء والفخر السياسي والاجتماعي والقيام بالواجبات الفردية والمشاركة الاجتماعية.

مما سبق أود الدخول في مناقشة لمقال نشرته صحيفة الوطن في 17/ ‪2018 /6‬ للكاتبة عزة السبيعي بعنوان (يا أهل الجنوب بيننا وبينكم دم وحب)، فقد جانب الصواب الكاتبة لأسباب منها: مبرر المقال كان تغريدات في تويتر، وهناك ملايين التغريدات المعادية لدولتنا ودينا ومجتمعنا السعودي، بل هناك ما هو أخطر كالتغريدات التي تستهدف مقدساتنا وتستبيح دماءنا، ومع هذا لم يستوقف الكاتبة إلا تغريدات من مُعَرِفات مجهولة، قيمتها لا تساوي قيمة الوقت المهدر في قراءتها، هذا جعل الكاتبة تطلق نداءها باستخدام (لذا دعوني أقول يا أهلنا في الجنوب لا نرضى عليكم كلمة تستنقصكم ولا تسيء إليكم، وإن كان قبر جدي في العارض)،

أعود لمصطلح (أهل الجنوب)، وهذا المصطلح لا يشكل في ظاهره مشكلة، لأن نسبة المكان إلى رجاله دليل على جدارتهم التاريخية والاجتماعي­ة لنيل هذا الشرف، لكن هذا الشرف استحقه الملك عبدالعزيز -رحمه اللهالذي وحد الوطن تحت اسم (المملكة العربية السعودية) عام 1351هـ، وعسير ونجران انضمت لحكمه بعد عام واحد من ضمه نجد، كما انضمت عسير ونجران إلى الدولة السعودية الأولى والثانية، وأهل الجنوب يفتخرون بوطنهم أكثر من مواطنهم، ويشرفون وطنهم في محافله العسكرية قبل المدنية.

ثم تصف جل الدعاة في الجنوب بالمنظرين للصحوة، فكتبت (ولا حتى كون منظري الصحوة جلهم منكم)، والصحوة نَظّرَ لها معظم الدعاة في جميع السعودية، وهي في حد ذاتها لا غبار على من شارك فيها، فإن قصدت تجار الأخونجية فلتلتفت حولها وحواليها لتراهم.

ثم كتبت (ولكن لن تختلفوا معي حين أقول كابنة رجل شارك في توحيد المملكة، وكان جنديا مع الملك فيصل في توحيد الجنوب)، وبعدها بسطر كتبت (وإنه حين شارك مع الملك سعود فتح نجران)، وبدون شك عمل والدها -رحمه الله حيا أو ميتا- مقدّر كجندي في الجيش السعودي، ولكن لا تمنح هذه الصفة الحصانة المطلقة على ما تكتب حتى لا نختلف معها، ولا يحق لأحد أن ينسب دخول نجران تحت الحكم السعودي لنفسه حتى بالمشاركة، وكان الأجدر بها حفظ المقام لأهله وللتاريخ، فنجران دخلت في زمن الدولة السعودية الثانية بمعاهدة إبان حكم فيصل بن تركي آل سعود، وتجددت في عهد الملك عبدالعزيز عام 1341هـ.

ختاما مفهوم الوطن لن يتشابه عند الجميع، ولن تفسره العلاقة المتشابكة بين الجغرافيا والتاريخ، في إطاريها الزماني والمكاني فقط، لأن من سنن الله بين البشر خلق الاختلاف والخلاف، ومن رحمته أن جعل الوطن أوسع من أي مساحة تشغلها هذه الصفات.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia