Al-Watan (Saudi)

المرأة بين الرجال والذكور

- فاطمة السهيمي

أعتقد أن التحولات التي مرت بها المرأة حتى أصبحت من ورق، هي نفس التحولات التي حولت الرجل إلى ذكر.

وببساطة أكثر فإن من إمارات الرجولة ألا يحمّل الرجل المرأة جميع المسؤوليات ويتنصل منها بطريقة أو بأخرى، أو يرمي عليها بمفردها مسؤولية التحولات التي طالت كيان الأسرة والمجتمع، ثم يزعم أنها لم تعد امرأة كأمه وجدته..لأنه ببساطة لم يعد كأبيه وجده هو الآخر.

فالرجل الذي كان يأنف أن تمد له زوجته يد العون، وإذا أصرت على فعل ذلك فإنه يدين لها بالفضل مدى الحياة، كما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع زوجته العظيمة السيدة خديجة، رضي الله عنها، أصبح الآن يستجدي ذلك منها، دون أن يشعر بالخجل، ودون أن يدين لها بالفضل أو يخلد ذكراها بأي شكل على اعتبار أن ذلك من صميم واجباتها، ثم يقول بعد ذلك إن النساء من ورق.

الرجل الذي يتثاقل عن أداء الصلوات في المسجد القريب بسبب خلوده للنوم أو لأنه يشعر بالكسل أو الرغبة في الاسترخاء، لا يحق له أن يقول إن النساء من ورق، لأن المرأة لا تراه أكثر من مجرد ذكر، ولا تتقبل الزوجة منه التهديد بعد ذلك بالزوجة الثانية أو الثالثة، لأنه فقد الأهلية لذلك وهي تمام الرجولة، (من الحكم الإلهية لفرض صلاة الجماعة تأصيل قيم الصبر والانضباط والنظام والانتظام وقوة التحمل واحترام الوقت..).

ففي ذلك الزمن الذي كان الرجل يعلق سيفه في وسط داره ويسرج خيله على الدوام تأهبا لداعي الجهاد، كانت المرأة تعي ما معنى رجل، وعندما تضطر للخروج معه مساعدة أو مرافقة أو ممرضة تشاهد بنفسها كيف يصارع الموت بثبات الجبال، فتستمد منه القوة والثبات، وتقدم له العون والتسهيلات التي تراه جديرا بها.

وفي القرآن الكريم عندما أراد الله -سبحانه وتعالى- التعميم قال »من عمل صالحا من ذكر أو أنثى«، أما عندما أراد التخصيص فإنه قال سبحانه: »رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.«

ومع انقضاء هذه العصور التي كانت فيها المرأة امرأة بحق، لأن الرجل كان رجلا بحق، بقي الأمر متفاوتا من زمن لزمن، حتى جاء زمننا الذي اتهمت فيه المرأة بأنها لم تعد كما كانت في عصورها الذهبية، وغالبا كان المدعي ذكرا.

فقد لاحظت من خلال سير الأعلام المعاصرين، من قادة ومفكرين ومبدعين ومتفوقين في مجالاتهم، من مذكراتهم ولقاءاتهم المرئية والمكتوبة والمسموعة، أمرا جديرا بالذكر، ويستحق التوقف عنده، فهؤلاء غالبا إن لم يكن دائما يدينون بالفضل لزوجاتهم وأمهاتهم وأحيانا بناتهم وأخواتهم وجداتهم، في نجاحاتهم وشهرتهم.

فهل هي صدفة أن تكون نساء هؤلاء الناجحين ناجحات في أدوارهن كنساء حقيقيات، أم أن الأمر يعود إلى أن المتحدث رجل وليس ذكرا!؟

فالمرأة مخلوق رقيق حنون مرهف الحس، مولع بالتفاصيل الصغيرة والجزئيات، بينما الرجل يكتفي بالعناوين الكبرى والكليات، ولذلك يفترض دائما أن يحتوي غضبها ويمتص ثوراتها بتعقل وحكمة، لأنه لا وقت لديه ليهدره في النقاشات العائمة، فلديه مهام كبرى ينبغي عليه إنجازها، ولكي يفعل ذلك يجب أن يكون لديه سكن تظلله المودة والرحمة، ولكي يحدث ذلك يجب أن يعتني بالمرأة ويحرص على أن يشعرها بأنها امرأة وشريكة حقيقية، وفي سبيل ذلك يتجاوز عن الأخطاء ويتجاهل النقائص، إن لاحظ وجودها أصلا، والمرأة تكبِر فيه ذلك، وتقدر له تجاوزه عن الهفوات والسقطات والصغائر، فيكبر في عينها ويزداد مهابة وتقديرا، وتحرص على مكافأته ورد التحية بأحسن منها، فتسير السفينة في هدوء وسكينة لا يكدر صفوها إلا رياح الحياة الطبيعية التي تهب من شمال وجنوب.

هذا عندما يكون الزوج رجلا، أما عندما يكون ذكرا أكبر اهتماماته اقتناء آخر موديلات السيارات أو الهواتف المحمولة أو النظارات أو قصات الشعر »خصوصا الشباب المتزوجين حديثا« أو التفكير في كيفية توفير المبلغ الذي يسمح له بقضاء إجازته الخاصة مع أصدقاء الاستراحة، أو لا يكون له أي اهتمامات من الأساس إلا عدد الساعات التي يتمتع فيها بالنوم والاسترخاء بعد العودة من الدوام الروتيني الممل، دون أن يفكر لثانية واحدة في تطوير نفسه أو البحث عن مصدر دخل آخر يضمن به الحياة الكريمة لعائلته أو يشغل به ساعات فراغه الطويلة، وبالتالي فهو متفرغ تماما لرصد حركات المرأة وسكناتها، ينظر إليها بمجهر تفرغه وفراغه، فيعد حبيبات الملح التي زادت في طعام الغداء، وحبيبات السكر التي نقصت في كأس الشاي، ويقارن بين وزنها اليوم وقبل ثلاثة أشهر، »بل قد يقارن بينها وبين الأخريات، خصوصا نجمات الشاشة الفضية«. ويلفت نظرها إلى أن لون فستانها في زواج أخيها كان أكثر بهجة وفرائحية من فستانها الذي ارتدته في زواج شقيقه، ويذكرها بعد حين أنها تأخرت عليه أربع دقائق ونصف وهو ينتظرها عند بيت صديقتها قبل أسبوع، علما أنه لا تعني له الأربع ساعات شيئا، فضلا عن الأربع دقائق، فليس لديه ما يفعله على كل حال.

اشتكى أحد الذكور لأحد الرجال من رداءة طبخ الزوجة، وأن ذلك قد يكون سببا للانفصال، فقال له:

إن أسوأ حساء يصبح أفضل عندما تعصر عليه ليمونة، وأسوأ كبسة تصبح ألذ عندما تمطرها بالشطة »لا شك أن الناصح كان رجلا، لا وقت لديه لاستطعام كل وجبة والشروع في مشكلة لهذا السبب«.

إن رب الأسرة عندما لا يكون لديه أي أهداف أو غايات كبرى يسعى للوصول إليها، فإنه لن يكون لديه أي بديل، سوى الرصد والمقارنة لكل شاردة وواردة.

الأمر نفسه الذي تفعله المرأة معه، لأنها لا ترى فيه شيئا مختلفا عنها، والاختلاف بين المرأة والرجل هو أحد أكثر الأسباب التي تجعل للحياة طعما ومعنى، أما عندما تتشابه المسارات وتتطابق الاهتمامات، وتختلط الأمور، فمن الطبيعي أن تقول المرأة لم يعد هناك رجال، ويرد عليها الزوج: كل النساء من ورق.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia