سوق عكاظ والدور الثقافي

Http://www.alwatan.com.sa/info/neqashat.htm

تتمحور أهمية سوق عكاظ التاريخية وترتكز في عاملين وجانبين اثنين لا ثالث لهما: الجانب المادي التجاري البحت، والمتمثل في أنشطة البيع والشراء، والذي كانت تتعهده قوافل العرب آنذاك.

والجانب الآخر، هو الجانب الأدبي الثقافي، وهو الأكثر أهمية على الإطلاق، إذ تنطوي تحته كل الثقافات والفنون التي عرفتها بطون العرب، ومنها اكتسبت السوق تلك الأهمية، وحاز المكان ذاك الإجلال، بعيدا عن الجوانب السلبية ومظاهر التخلف التي وافقت جاهلية تلك الحقبة.

فإن نظم القصائد والتفاخر بها، وحذاقة المشاركين وطلاقة الألسن وفصيح اللغة، وإتقان مفردات الخطب التي كانت تعد وتهيأ لهذه المناسبة من بيئات وظروف مختلفة، كل تلك العوامل كانت توصل إلى مفهوم واحد، وهو مفهوم الثقافة، هذا النسيج من الرؤى والأفكار الثقافية تجسدت للعيان في واقع ملموس، عبر تطور مراحل مهرجان هذا السوق وفعاليته المصاحبة له في وقتنا الراهن. بيد أن السوق -وفي تطوره الملحوظ وتبدل حاله عن العصور الأولى- أصبح أكثر شمولية وذيوعا، وهو ما جعل من هذا الحدث محط أنظار الناس داخليا وخارجيا، فاجتذب اهتمام كل شرائح المجتمع، خاصة المثقفين منهم.

إن حصر الثقافات في حدود مغلقة، وتقوقعها في نطاق ضيّق، لم يعد بالأمر المستساغ، ولم يعد خيارا بطبيعة الحال، بل أصبح مطلبا وضرورة قصوى، تقتضيه عوامل الازدهار ومصادر التمدن التي نشهدها يوما بعد يوم، حتى تسير هذه الثقافات في مسارها الصحيح من النشر والإعلان والذيوع، إحياء لموروث الماضي المجيد، واستشرافا لمستقبل زاهر تليد، فمتطلبات هذا العصر هي من حتّمت شمولية هذا التجديد للسوق، من منطلق الاعتناء بمقوماته الثقافية، وتفعيل دوره المهم في تعزيز روح الانتماء في المجتمعات الإنسانية، وتوظيفها لإبراز الجوانب الإيجابية الخفية التي تزخر بها هذه المجتمعات، مع دفع الأدوار المرتبطة بالعادات والتقاليد الحسنة دفعة قوية، بحيث تظهر خلالها كمية المعارف والمهارات الخاصة بها، وأيضا حفاظا على تركة الأجداد من جهة أخرى.

إن الثقافة -منذ القدم- كانت وما زالت تعد أحد الروافد الرئيسية التي شكلت هوية المجتمعات، لذلك أخذت كثيرا من الاهتمام والاعتناء من المسؤولين والمعنيين بها، وذلك خلال تأصيلها في الأفراد والمؤسسات المهتمة بهذا الشأن.

بقي على المؤسسات والهيئات المعنية بالثقافة، والتي يقع على عاتقها الجزء الأكبر من مراحل التثقيف.

تكثيف هذا الدور بشكل أكبر وأعمق بالطبع لن يتأتى ولن يكتمل، ما لم تقم هذه الهيئات المسؤولة مسؤولية مباشرة بتطوير قطاعها الثقافي والفني، على حد سواء. من هنا، جاءت أهمية إنشاء وزارة مستقلة تعنى بالثقافة في المقام الأول.