Al-Watan (Saudi)

عفوينما لمنح

- أحمد الرضيمان

هذا الصخب والضجيج الذي يقال في كثيرٍ من الفضائيات ووسائل التواصل وغيرهما من وسائل النشر، والمتضمن الإثارة والتهييج على الحكام، ما سببه؟ وما آلية تنفيذه، وما غايته؟ وما علاجه؟ والجواب عن ذلك: موجود في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي خَلَق الخلْق، وهو العليم بهم، قال تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، وقد نبأنا الله ورسوله عن ذلك، فعلمناه قطعاً لا يقبل الشك، لأن الذي نبأنا هو العليم الخبير.

وعليه: فإن سبب منازعة الحكام ليس الدين - وإن اتُخِذَ الدينُ غطاءً يتدَثَّر به أهل الإثارة والتهييج - وإنما السبب مطامع الدنيا، والدليل على ذلك أن أول الخوارج ذا الخويصرة، إنما نازع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من أجل الدنيا لا الدين - وإن ادّعى في خطابه الدين والتقوى والعدل- فقال للنبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري - اعدل، وفي بعض الروايات: اتق الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك، ومن يعدل إذا لم أعدل، وقال: أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام لصحابته: »إنَه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية«، ولذلك لا تعجب - أخي القارئ- ممن خرج من ضئضئيه، واتبع منهجه، فدَأبَ على إثارة الناس على حكامهم باسم العدل والتقوى والحقوق والحرية، لأنه على منهج سلفه ذي الخويصرة، وإذا كان ذو الخويصرة يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم العدل، وهو المعصوم عليه الصلاة والسلام، فمن باب أولى أن يَتَّهمَ أتباعُه حكامَ المسلمين، لا سيما أنهم ليسوا بمعصومين عن الخطأ.

وأما آلية تنفيذه: فعن طريق استخدام ما قد يظهر من الأثَرة، والمنكرات، فأهل الأهواء يفرحون بها جدا، ولذلك يبالغون ويزيدون بل ويختلقون، لأنها هي آليتهم في إثارة الغوغاء، مع أنهم قد يتظاهرون بالحزن وربما البكاء الكاذب لوجود منكر معين، أو فساد مالي أو إداري، ولهذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هاذين الأمرين »الأثَرَة« أي: الاستبداد بالمال، و»أمورا تُنكرونها«، وذكر أن وجودهما - وإن كان منكرا - ليس بمسوِّغٍ للإثارة والخروج والتهييج والمنازعة، فالمنكَر لا يُعالَج بمُنْكَرٍ أكبر منه، فقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: »إنها ستكون بعدي أثَرَة، وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟، قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم .«

لكن أهل الشر والفتن لم يأخذوا بالتوجيه النبوي، وإنما اتخذوا هذين الأمرين، وسيلةً للطعن في الحكام والخروج عليهم، ومن التناقض لديهم أنهم لا يفعلون ذلك مع الحكام الذين من حزبهم وإن أتوا بالطوام والموبقات، مما يدل على كذبهم وبعدهم عن الدين، وكان ابن سبأ عندما أراد التهييج والخروج على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يقول لقومه: »ابدؤوا في الطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تستميلوا قلوب الناس«، كما يستعملون في تهييجهم أسلوب المزايدة والإعجاب بالنفس، ولذلك ينظرون لأنفسهم أنهم: هم أهل العدل والإصلاح والحقوق ودعاة الحرية، وأما غيرهم: فليسوا كذلك في نظرهم، وهذا كما ترى هو فعل ذي الخويصرة في مزايدته على تقوى النبي عليه الصلاة والسلام وعدله بين الناس، وهو فعل أتباعه الخوارج في مزايدتهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فهم لإعجابهم بأنفسهم، يرون أنفسهم أعلم منه، وأحرص على الحق منه، فقالوا له »لا حكم إلا لله« وكأن عليا رضي الله عنه يحكم بغير ما أنزل الله.

أما غايتهم: فهي الوصول إلى الحكم، ونحن نعلم أن علماء المسلمين ما اتخذوا المظالم أو الأثَرَة أو الأخطاء والمنكرات، سبيلا للإثارة والخروج، لأنهم أهلُ علمٍ ودين، ومن خَدَعَه الخوارج منهم تاب وندم ورجع، بينما هؤلاء الغوغائيون في زماننا من مدَّعي العدل والحقوق والحرية والإصلاح والنهي عن المنكر، أهلُ أحزاب بامتياز، يريدون الحُكْم، لا علاقة لهم بالدين من قريب ولا بعيد، وما يفعلونه هو المنكر والفساد بعينه، ولو تولوا لطَغَوا وبَغَوا ونهبوا الأموال، بدليل أن الذين كانوا ينكرون على عثمان رضي الله عنه إضاعة الأموال، لما قتلوه، نهبوا المال، وقالوا: حل دمه، أفلا يحل لنا المال؟

أما من بُلي بهذا المسلك الخارجي وأراد العلاج، فقد بينه الله ورسوله، ومن ذلك ما يلي:

أولا: الصبر، وإعطاء الولاة حقوقهم، وسؤال الله حقه، هذا هو نص توجيه نبينا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: »إنها ستكون بعدي أثَرَة، وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟، قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم«. وفي رواية »اصبروا حتى تلقوني على الحوض«، ونحن نعلم يقينا أن رسولنا عليه الصلاة والسلام أعلم الناس، وأنصح الناس، وأتقى الناس، وأفصح الناس، وأشجع الناس، ومع هذا نصح أمته في مواجهة استبداد الحكام وأثَرَتهم، بقوله »اصبروا« لم يقل: ظاهِرُوا، أو اشْجُبُوا، أو ثُورُوا، أو قاتلوا، وإنما قال »اصبروا«، أفيَدَع أهل الإسلام توجيه النبي عليه الصلاة والسلام، ويأخذوا بتوجيه المارقين والمحرضين؟ كلا، هذا لا يقع من مسلمٍ يُعظِّم النصوص الشرعية إن شاء الله، والحاكم والمحكوم كلاهما سيقف بين يدي الله فَرْداً، وسيسأل الله تعالى الرعية، عما أوجبه عليهم للولاة »من السمع والطاعة لهم بالمعروف،« وسيسأل الولاة عما أوجبه عليهم للرعية »من العدل بينهم وتحكيم الشريعة«، وعدم قيام أحدهما بما أوجبه الله عليه، ليس حجةً للآخر في عدم القيام بما أوجبه الله عليه لقوله عليه الصلاة والسلام حُمِّلتم .«

ثانيا: مناصحتهم فإن الدين النصيحة، كما جاء في الحديث، والدعاء لهم بالتوفيق والإعانة، وأن يُبعد الله عنهم بطانة السوء، ذلك أن الصبر، لا يعني إقرار المنكَر، أوعدم إنكاره، كلا، المنكَر يجب إنكاره وفق المنهج النبوي الحكيم، لا المنهج الثوري السقيم.

ثالثا: التوبة إلى الله، وانشغال الإنسان بإصلاح نفسه ومن تحت يده، فحيثما تكونوا يُولّى عليكم، وقد قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، لماذا تفرَّق الناس عليك، واجتمعوا على أبي بكر وعمر، فقال: لأن رجال أبي بكر وعمر: أنا وأمثالي، ورجالي: أنت وأمثالك.

رابعا: في اجتماع المسلم الناصح بالناس: عليه أن يحرص على جمع القلوب على ولاة الأمور، ورد القلوب النافرة إليهم، وبيان فضائلهم، من حماية الثغور، وحفظ بيضة الإسلام، وردع من يخل بأمن الناس وحرماتهم، وكشف الشبهات التي تُثار ضدهم، وفي اجتماعه بالولاة: عليه أن يحرص على تحبيب الرعية للولاة، ويرغب منهم أن يحسنوا إلى الرعية، ويرفقوا بهم، وألا يُكلفوهم ما لا يطيقون.

خامسا: كراهية من يثير الناس على ولي الأمر، ومنعه من ذلك، فقد قال أبو بكرة لمن ينتقد ولي الأمر: اسكت، سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: »من أهان سلطانَ الله في الأرض، أهانه اللهُ›› رواه الترمذي وصححه الألباني، وعن طاووس قال: ذكرت الأمراء عند ابن عباس، فانبرى فيهم رجل »أي قدَح فيهم« فتطاول حتى ما رأى في البيت أطول منه، فسمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: لا تجعل نفسك فتنة للقوم الظالمين، فتقاصر حتى ما أرى في البيت أقصر منه. رواه ابن أبي شيبة.

سادسا: الحذر من صحبة أهل الأهواء، فإنهم يتركون ما جاء في كتاب الله وما صح من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويستدلون ببعض الحوادث التاريخية التي أخطأ فيها بعض الفضلاء وندموا ورجعوا عنها، ولو كانوا أهلَ دين وعلم لعلموا أن الحوادث التاريخية ليست دليلا يُحتَّج به، وإنما الحجة فقط بالكتاب والسنة، فالله تعالى يقول »ماذا أجبتم المرسلين«؟ وليس ماذا أجبتم المؤلف الفلاني، أو الشيخ الفلاني. »عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia