دلالات مفهوم التحرش
إن من المسلمات والأولويات التي تعزز من عنصر الاستقرار الأمني في الإنسان وتعد ركيزة أساسية في صيانة الأعراض وحفظ الممتلكات بوجه عام هي أولوية سن القوانين والأنظمة، بحيث تغدو حياة البشرية مع صخبها وضجيجها وكأنها عروس قد اكتست على جمالها حللا وزيا تغلب عليه سمة الطمأنينة والاستقرار الدائم، لن تخلو الحياة من المخالفات والتجاوزات الطائشة بطبيعة الحال، ولن تسود فيها الفضيلة العظمى على وجه التمام، فهي ليست مدينة الطهر والفضيلة التي تقطنها الملائكة البررة الكرام، لكن وبلا ريب فإن القوانين التي تشرع والأنظمة التي تسن سوف تفرض على الجميع احترام أنظمتها، وبالتالي سوف تعمل على الحد من المخالفات، وعلى تقليص التجاوزات، فتجريم المخالفين وتطبيق العقوبات الرادعة في حق مرتكبيها هو عامل تنظيمي في المقام الأول قبل أن يكون عامل زجر وأداة عقوبة، وإلا فكيف يستتب الأمن ويستقر النظام والمعاملات التي تدار بين الناس على مدار اليوم والساعة، على اختلاف أشكالها وفارق أنماطها، لا بد من أن تطرأ عليها بعض المشكلات، ولا بد أن تطفو عليها بعض الظروف الخاصة التي تحتاج إلى أنظمة قانونية تسند إليها وقواعد نظامية تسيرها إلى بر الأمان، صحيح أن الدول الإسلامية بأحكامها وقوانينها فيها ما يغني عن اللجوء إلى القوانين الوضعية التي يضعها الإنسان بشكل أو بآخر، ذلك أن الشريعة الإسلامية بجلالها وعظمتها ومنذ صدر الإسلام الأول قد كفلت للناس مؤونة حل كثير من قضايا ومعضلات حياتهم، غير أن المستجدات والوقائع الحديثة التي قد تطرأ في المعاملات الاجتماعية بين الحين والآخر تستدعي استحداث قوانين وأنظمة جانبية منبثقة من أسس وأصول إسلامية بحتة، وأن إقرار نظام التحرش الذي عمل بمقتضاه مؤخرا هو من ذلك.
لا شك أن هذا السلوك هو سلوك مخجل وتصرف معيب وفعل مشين، لا الضرر الجسدي الذي فيه، ولما يحمل هذا الفعل من إيذاء نفسي لكلا الجنسين الذكر والأنثى سواء بسواء.
وفي الختام لا بد من إطلالة سريعة على تعريف مفهوم التحرش، فمفهومه وفقا للأعراف والقوانين الدولية، هو أي فعل غير مرحب به من النوع الجنسي الذي يتضمن مجموعة من الأفعال أو الانتهاكات البسيطة، إلى المضايقات التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية. أما وزارة الداخلية وعلى لسان المتحدث الرسمي، وإن كان ليس بعيدا ذاك البعد عن المفهوم الأول لكنه في الواقع أدق وأوضح، وهو كالتالي التحرش هو أي مدلول أو أي إشارة أو فعل أو قول كان فيه مدلول جنسي، وعليه سيعد جريمة تحرش يعاقب مرتكبها حسب النظام.