Al-Watan (Saudi)

مفحط سابق- متطرف سابق

- أحمد الرضيمان

لو كان لي من الأمر شيء، لجعلت الظهور الإعلامي فقط لمن كان متزنا، سالما من التحولات، والسوابق السيئة، فالمفحط، ليس مؤهلا للدعوة والإرشاد، وحسبه أن يكف شره عن الناس

من كان مؤذياً للعباد والبلاد في تفحيطه وتجاوزاته، أو كان من أهل الخمور والمحرمات، أو كان من الغلاة المتطرفين، ثم أراد أن يترك هذه المسالك الوخيمة، سواء بقصد التوبة إلى الله، أو حفاظا على صحته، أو رغبة في المكانة الاجتماعية، أو لخصومة مع أصحابه السابقين، أو لأي سبب آخر، فإنه يشكر على إقلاعه عن ذلك المنكر، وقد يؤجر على ذلك إن صحت نيته، وكان هدفه ابتغاء مرضاة الله، لقوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروف أو إصلاحٍ بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما)، فالإصلاح خير، وأما حصول الأجر - فكما ترى - مشروط بهذا القيد (ابتغاء مرضاة الله).

وكان المتوقع ممن ترك المنكرات أن ينشغل بإصلاح نفسه، ومجاهدتها في سلوك الصراط السوي، فيتعلم أولا، ويعمل بما علم ثانيا، ثم يدعو غيره إلى الحق ثالثا، ويصبر على ذلك رابعا، لقوله تعالى (والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). فبدأ بالعلم ثم العمل ثم الدعوة ثم الصبر. قال الشافعي رحمه الله تعالى: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم. وقال البخاري رحمه الله تعالى: باب العلم قبل القول والعمل. والدليل قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لِذنبك}، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.

ومع الأسف يلاحظ أن بعض أصحاب السوابق السيئة ينتقلون مباشرة منها إلى التصدر والتوجيه في وسائل الإعلام وغيرها، وليتهم يكتفون بذكر أن ما كانوا عليه خطأ ومنكر، وأنهم نادمون عليه، لكان الخطب سهلا، أمَّا أن يتحول أحدهم مباشرة إلى شيخ يُفتي ويُوجه، فهذا خطأ كبير، وبعضهم يتحول مباشرة إلى خبير بالجماعات والحركات الإسلامية، فينتقل المفحط من خطأ التفحيط إلى خطأ الإفتاء بغير علم، والآخر: من خطأ الغلو والحزبية الإخوانية إلى خطأ الانفلات والحزبية الليبرالية، فيتهجم على ثوابت الشريعة تحت شعار (خبير بالحركات الإسلامية)، كما هو ظاهر في كثير من رجيع الصحوة، الذين صاروا يتصدرون الإعلام ويتجنون على نصوص الشريعة، وعلى عباد الله الذين لم يشاركوهم لا في صحوتهم الإخوانية، ولا في ليبراليتهم التغريبية، وبعض الحزبيين سابقا ربما يكون عنده ردات فعل عنيفة، ضد أصحابه السابقين، فيحمله بغضهم على ظلمهم، مخالفا قوله تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، ويرغب أن يوافقه أهل العلم في تطرفه المضاد ضدهم بدون علم وحكمة، وإن لم يفعلوا اتهمهم بالتمييع، وعدم الصدع بالحق، لا سيما أنه متعود على الاتهام وسلاطة اللسان.

فما لنا ولهؤلاء، شغلونا برخيص غثائهم، ولو كان لي من الأمر شيء، لجعلت الظهور الإعلامي فقط لمن كان متزنا، سالما من التحولات، والسوابق السيئة، فالمفحط، ليس مؤهلا للدعوة والإرشاد، وحسبه أن يكف شره عن الناس، لا أن يُقدَّم كبطلٍ في الملتقيات والشاشات، ومن كان من أهل الغلو الذين يكفرون الناس، أو يحرقون دكاكين المسلمين لكونها تبيع ما يرون حرمته، لا يصلح أن يظهر في الإعلام ليصفي حساباته، أو يتجنى على الناس لتوهمه أن الناس كانوا غلاة مثله في السابق، بل عليه أن يصلح نفسه، ويطلب العلم، قبل أن يتصدر للتوجيه، ليكون كلامه بعلم وعدل، لا بجهل وظلم.

ومن كان حزبيا متطرفاً عليه أن يتوب إلى الله، ويطلب العلم على علماء السلف الصالح، ليعبد الله على بصيرة ووسطية، ولينقذ أصحابه السابقين بعلم وحجة وحكمة ورفق، لا بجهل وظلم وشماتة وعنف، وليحذر أن يكون مطية لأهل الشهوات والانفلات، الذين يريدون أن يصفوا حساباتهم من خلاله، فيلمِّعوه ويستضيفوه، ثم إذا فرغوا منه، رموه في قارعة الطريق، وقالوا أزيلوا الأذى عن الطريق، فإن ذلك من شعب الإيمان.

قال تعالى (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما)، فالحذر الحذر من كيد أهل الشهوات وأهل الشبهات، فدين الله وسط بين الغالي والجافي، وهو أسمى من أن يُتَّخذ سُلَّما لمآرب إخوانية أو ليبرالية أو غيرهما.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia