نحن نناقض أنفسنا

البعض منا يعيش حالة عارمة من التوهان الإرادي أو اللاإرادي، وذلك عندما يناقض نفسه في كثير من جوانب حياته السلوكية، أو الصحية، أو الاجتماعية، أو حتى في تعامله مع أطفاله أو أصحابه أو زملائه. وأمثلة ذلك، تلك الأضداد والتناقضات في حياة أغلبنا بني البشر الذين نحن في الأصل من وضع النظريات، والدراسات، والبحوث، وضمناها بشيء من الفلسفة المثالية التي اعتبرها العلماء التأمل العقلي الشامل لكل ما في الكون، ثم نحن أنفسنا أيضاً من ناقض كل تلك المخرجات والإنجازات لأننا ببساطة نقول ما لا نفعل، ولا نسير على الجادة التي وصلنا من خلالها لنحقق نتاج تلك الاكتشافات التي انبهرنا منها وأبهرنا بها الآخرين. والأمثلة على تلك التناقضات كثيرة ولن نجد صعوبة في إيجادها أو الحديث عنها، ومن أمثلة ذلك: أن يقوم البعض منا بتنفيذ برنامج غذائي وقائي مكثف، الهدف منه الصحة والعافية والرشاقة، وذلك من خلال المحافظة على الوزن وقهر السعرات الحرارية وإذابة الدهون وتجنب مثيرات الربو وارتفاع السكر والضغط، وكل الأمور المتعلقة بذلك، إلا أنه في الوقت نفسه تجده شغوفا بالسهر ومتعلقا بالتدخين ومتيما بالمشروبات الغازية والمثلجات والسكريات والملح والدهون وغيرها من المتناقضات المعادية للصحة، وهنا يظهر جلياً التناقض. في إطار الأسرة تجد الكثير من التناقضات فمثلاً الأب أو الأم يوجهان أبناءهما إلى الصدق وتحريه وتجنب الكذب وتفاديه، ولكن مع أبسط اختبار لهما يفشلان، فمثلاً يطرق الطارق الباب فتجد الأب يوصي ولده بأن يقول للطارق أبي غير موجود، وقد تقوم الأم بمثل هذا التصرف دون تردد، وقد تحث الأم أبناءها على عدم رمي المخلفات في الأرض في المنزل ولكنها عندما تكون في السيارة أو في الحديقة تجد الأم هي من يطلب من أحد الأبناء فتح نافذة السيارة ورمي العلب أو الأوراق على قارعة الطريق، أو في الحديقة، مما يحدِث لدى الأبناء شيئا من الازدواجية والتناقض العجيب. وفي صورة أخرى في مرتع العلم والتربية، تجد المعلم يوجه طلابه إلى الالتزام بالانضباط في الحضور والانصراف والاستذكار الجيد وحل الواجبات أولا بأول وعدم الغش، وتجده في تناقض عجيب يتأخر عن الحصص الدراسية، ويكثر من الغياب ولا يعطي طلابه كامل حقوقهم من الوقت. وهناك صورة أخرى من صور التناقض، وأنت تجد الطبيب ينصح مرضاه بتخفيف الوزن وتجنب التدخين والالتزام ببرنامج غذائي صحي، ثم تجده هو في سمنة مفرطة، وتدخين شره. وفي صورة من صور التناقض تجد خطيب المسجد، يقدم النصائح لجماعة المسلمين في المسجد ويحثهم على صلة الرحم وعلى حسن الجوار وتقدير الجار وحفظ الأمانة وحسن معاملة العمال وغيرها من المواعظ الطيبة، ولكنه متخاصم مع جاره، وقاطع لبعض رحمه، ومتأخر في صرف رواتب عماله، وغيرها من المتناقضات، و من صور التناقض، تجد البعض لا سيما من المنظرين، وما أكثرهم، من يطالب بالسياحة الداخلية، ويدعو الناس لها ويرغبهم فيهاـ في الوقت الذي تجده يرتب وأسرته للسفر خارج الوطن للسياحة والاستجمام كلما سنحت لهم الفرصة، ومن صور التناقض أنك تجد رجل المرور يخالف قائدي المركبات على أي خطأ قد يرتكبونه ولا يتهاون في ذلك وفي نفس الوقت تجده أكثر الناس مخالفة للنظام، عندما يتجرد من بزته العسكرية ويقود مركبته الخاصة. ولعل أمثلة التناقض في حياتنا كثيرة، ولكن الكيّس الفطن من جعل الحياة مدرسته المفيدة فيأخذ منها المفيد ويترك ما لا ينفع ولا يفيد.