Al-Watan (Saudi)

بين المطمئنة واللوامة

-

في أواخر العقد الثالث، رحلة عُمْر تساوى فيه الليل والنهار، والفرح والترح، واستحالت كل الألوان عنده إلى لون باهت بارد، مما جعله يستقبل المساءات متألما. يجتر كآبته، ولم لا! وهو قد صنع لنفسه قصة، إنه يعيش حالة، إنه عبء على أسرته، بل ويرى أنه ينتظر الشفقة والرحمة من أحدهم.

إنه ثقيل عليهم، ولكنه -وهو في سجاله مع النفستعود به الذاكرة ذاكرة العمر فتدفعه ليسأل: أليس هؤلاء من كنت ألقي برأسي المثقل بهمومي الصغيرة في معناها الكبيرة في عيني بين أحضانهم، فيمسحون دموعي ويحيلون لغتها الباكية إلى بسمة وانشراح؟! أليس من أشعر بأنني أثقل كاهلهم الآن؟ أليسوا هم من كانوا يسهرون لوجع أشكوه أو عارض أعانيه؟

أليس هؤلاء هم من رأتهم عيناي، وأيديهم تقف أمام لقمة أشتهيها؟ إنهم يا نفسي اللوامة، من كانوا يوقظونني بهدوء لمدرستي، ويحملونني بهدوء إلى فراشي من المكان الذي غلبني فيه النوم. إنهم من كانوا يزيدون فوق لحافي لحافا، خوفا علي من البرد، ويخففون غطائي ليسترسل نومي في دفء الصيف.

نعم، فقد كانوا يهندمون لباسي وينتقونه، ويربطون حذائي ويستمتعون بخدمتي.

وفي زخم السجال بين نفسه اللوامة ونفس راضية، ليرتفع صوت اللوامة، أنت تعيش على هامش الحياة، بلا قيمة أو مكانة في المجتمع، ألا تسأل نفسك عن خيبة الأمل حينما تعيش في مجتمع يعيش فيه البعض كيفما يريد وكيفما يشاء، ويتسلط على من هو دونه في أدق تفاصيل الحياة؟ ألا تسأل نفسك عن خيبة الأمل حينما تقضي حياتك في جهد وكفاح، ولا تحقق شيئا وغيرك تحقق له ما يريد؟

أما رأيت واقعا مُرّا تعيشه، واقعا لا يشبه البياض الذي تنشده؟ ثم يطبق الصمت على المكان لينساب صوت في الثنايا، ولكن أنت من يُصرّ على ألا ينظر إلا إلى الجانب المظلم، وإلى الجزء الفارغ من الكأس.

أما نظرت إلى كينونة أسرة يتمناها غيرك؟ أما نظرت إلى صحة في بدنك، وأمنٍ في وطنك، ومستقبل واعد ينتظرك، وأبواب كثيرة -بإذن الله- مفتوحة لك؟.

كل ما عليك هو أن تبذل الجهد، واترك باقي الأمر للخالق.

نعم، اُبذل الأسباب، وافعلْ، فلو استمر النهار لسئمنا، ولو تسرمد ليلنا لقتَلَنا الملل، ولكن يعقب الليل الثقيل فجر جديد، نكلله بآمالنا، ونتخلص فيه من آلامنا، إنها متعة الحياة، يا أيهتا اللوامة، طعم الصحة بعد التوجع، وفرح يبزغ من سواد الحزن.

إنها الحياة هكذا، لا تستقيم ولا تستوي لأي نفس، فتعالي يا نفسي اللوامة، وانهجي نهجي، ليعيش صاحبنا برتم الحياة، كما قُدّر له فيها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia