Al-Watan (Saudi)

اوسكيدمطيب­ةحركات

- خالد العضاض

عندما قبض على محمد قطب في 30 يوليو 1965، بعث أخوه سيد قطب رسالة احتجاج إلى المباحث العامة المصرية، فقُبض عليه هو الآخر في 9 أغسطس عام 1965، وكان هذا هو الإيقاف الثاني لسيد قطب، واتهم بالتحريض على حرق معامل حلوان لإسقاط الحكومة، وقُدم للمحاكمة وحكم عليه بالإعدام، ورغم هذه الرواية التي يسوقها الإخوان ويتبنونها، إلا أن فريد عبدالخالق مرافق حسن البنا، عضو الهيئة التأسيسية ومكتب الإرشاد الأسبق بالجماعة، في شهادته على تلك الأحداث يكذّبها ويذكر أن سبب القبض على سيد قطب كان تنظيمه السرّي المنفصل عن الجماعة -كما يزعم، أعني انفصال التنظيم المشار إليهغير أني أجزم بأن ما عرف باسم تنظيم »65« والذي كان يستهدف قتل عبدالناصر وقلب نظام الحكم، جاء بتكليف مباشر من المرشد حسن الهضيبي لسيد قطب، أو بالموافقة الشفهية غير المباشرة، أو حتى بغض الطرف عنه -احسبها كما شئت- ولكن مسألة استقلال تنظيم »65« عن الإخوان ما هو إلا تعمية وتضليل معهود مشهود عن هذه الجماعة الإرهابية المحظورة.

وفي القضية رقم 12 لسنة 1965 »تنظيم 65«، كان الاتهام قد وُجّه لكثير من جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة إحياء التنظيم الخاص، وتم تحويل القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا، وبعد محاكمة علنية استمرت قريبا من السنة، صدر الحكم بالإعدام على بعض المتهمين، ومنهم سيد قطب، وتخفيف الحكم على آخرين، منهم محمد بديع المرشد الحالي لجماعة الإخوان المسلمين.

ويروي اللواء فؤاد علام في كتابه »الإخوان وأنا، ص 155«، »... كنت أجلس في السيارة الأولى وجواري سيد قطب...، وقال سيد قطب خلال الطريق بنبرة تشفٍ وحسرة: »للأسف الشديد، لم ينجحوا في تنفيذ عملية نسف القناطر الخيرية، وكانت هذه هي النهاية«. يقول علام: »وكان سيد قطب يتصور أن تدمير القناطر وإغراق نصف مصر هو بداية الثورة الإسلامية...«.

كانت هذه القضية إفرازا مباشرا لنظرية الحاكمية، وتطبيقا عمليا لتداعياتها الفكرية، ومآلاتها الأيديولوج­ية.

يرى كثير من الباحثين أن للحاكمية جذرا تاريخيا يعود إلى موقعة صفين عام 37 للهجرة، ويعدّون أنه الاستعمال الأول لنظرية الحاكمية، وذلك أن فريقا من جيش علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- رأى في رفع المصاحف من جيش معاوية -رضي الله عنه- دعوة للتحاكم إلى كتاب الله، بينما رأى علي أن الأمر لا يعدو كونه خدعة، الهدف منها كسب الوقت والالتفاف على نتائج المعركة التي كانت في صالح جيش علي، لكن المناصرين لفكرة التحاكم إلى كتاب الله خيّروا عليٍّا بين النزول على رأيهم، أو الخروج عليه، لأن رفض الاحتكام لكتاب الله كفر، فما كان من علي إلا أن رد عليهم: »هذا كتاب الله بين دفتي المصحف صامت لا ينطق ولكن يتكلم به الرجال«، أي أن القرآن يخضع في النهاية للتفسيرات البشرية المختلفة، طالما أن الوحي رفع بوفاة الرسول »صلى الله عليه وسلم.«

ثم اندثرت هذه النظرية عمليا لقرون متطاولة، لبلاهة النظرية في أساسها، ولكونها فكرة أريد لها الالتفاف على بعض ضعاف العقول، وكذلك لغلبة الرأي المخالف في جل مراحل التاريخ الإسلامي،

مفهوم الحاكمية لله هو: »الاحتكام إلى الله باعتباره الحاكم الأوحد ذي السلطة المطلقة، لأنه الخالق للكون والإنسان، وبالتالي فهو الوحيد المستحق للعبادة والطاعة دون غيره من الموجودات الأخرى، لأن السلطة العليا المطلقة ليست إلا لله«. (المودودي، حول تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحاضر، ص2)، وبالتالي وجب اعتباره الموجود الأول الذي يجب أن تعود إليه السلطة، وأن تكون سلطة البشر مستمدة من الله مباشرة.

قام بصناعة متن أيديولوجي متكامل، يقوم على نظرية الحاكمية، ونظرية أخرى لا تقل خطورة عنها، وهي نظرية الجاهلية: إذ يعدّ أن حكم البشر من دون الله نوعا من الجاهلية يعممها على كل الأنظمة السياسية التي تتخذ غير الإسلام نظاما للحكم، يقول في كتابه »الخلافة والملك، ص8«: »الأمور التي كان الله يتولى فيها حكمه لم يكن فيها ما نصطلح عليه اليوم بالديمقراط­ية«.

الثنائيات الحادة: أداة مهمة من أدوات الفكر الأيديولوج­ي، الذي يوظف التقابل والتعارض والتنافر بين واقعين، لنقض الواقع المعاش،

نصب المودودي، وسيد قطب وحركات الإسلام السياسي، الحاكمية فخا لتسويغ الاستيلاء على السلطة المطلقة، وليس السلطة الجزئية فحسب، بحسبانهم منفذين لقضاء الله وتشريعه في السياسية، وهذا محض خداع وحيلة للوصول إلى حكم البلاد ورقاب العباد، ويكفي أنه -ولعقود متطاولة- تم تجريم كامل النظرية السياسية بحكم أنها حكم بشري وضعي، تنافي حاكمية الله وسلطة تنفيذها بيد الطليعة المؤمنة -بزعمهمويكف­ي أن تعلم مدى دجل هذا الفكر وعظم هذا الفخ، أنه تم تكفير العلمانية والقائلين بها، وتقبلت المجتمعات الإسلامية هذا الرأي لا لشيء إلا لأن فهم العلمانية تم عبر مرشحات الإسلاميين السياسيين، كأنور الجندي ومحمد قطب وسفر الحوالي وتلاميذهم، أو خلال بعض من يحاول التقارب والمقاربة من الإسلاميين مثل عبدالوهاب المسيري، وغيره، ثم وبعد الاستنفاع المتبادل بين الجماعة الإرهابية المحظورة »الإخوان المسلمون« والنموذج التركي، وبعد الوصول إلى سدة الحكم لطف التناقض بين الحاكمية والعلمانية، وتم الجمع، إذ أمكن الجمع في عقل أهل السلطة الإسلاميين، فقال الغنوشي بالعلمانية المؤمنة، ولو عُمَّر الترابي إلى يوم الناس هذا لقال بالعلمانية الإلهية، والله وحده أعلم بما في رؤوس الإسلاميين السعوديين لو تم لهم »تمكين« كما تعبر أدبيات الحركية السياسية الإسلاموية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia