Al-Watan (Saudi)

جميزة صالح

-

فتحي بدر

في ظهــيرة صيفيــة حارقة لجــأ تحت ظلال الجميزة العتيقة الرابضة بجوار الساقية المهجورة، لم يكــن هارباً من حرارة الجو بقدر مــا كان يفر بنفســه بعيدا عن كل من يعرفه، هذا الطريق الذي له فيه أجمــل الذكريات التي تلطف جراح روحه المُتعبة، كان يسير يتذكر شريط حياته مستهونا أمر الدنيا متعجبا من أحوالها.

وقبــل أن يصــل إلى »جميــزة صالــح« كان لصدره نشيج مكتوم أخذ يعلو ودموع تتهادى ببطء أخذت تتقاطــر، انفصل عن الطريق ليترك نفســه تحت الجميزة، يســكب الدمع جزيلا ويعلو صوته الباكي »يــا رب« كانت زفــرات الألم تخرج قوية حارة وشهيق عاجز بالكاد يتنفس، تغســل الدموع قلبه، ويشتد تقاطر العرق مــن رأســه... يتابع »يا رب«... ياااا رب.

أعــوام عديــدة مرت تُراكم مخزونها من الإحن والألــم، لا يزفــر متبرما ولا يضج رافضا ولا يبث شــكوى، مخزون هائل صــار أكثر مــن قدرة احتمالــه العجائبية، كل الحلول التي كانت تعني له غير ممكنة إلا بخسائر لا يســتطيع أن يتحمل مســؤوليته­ا أمام نفسه ولا أن يهرب من الاحتمال والجلــد مقابــل عنت لا ينتهي وبــلا لُقاء يمنحه بارقة أمل.

حينها تذكر ذاته التي نسيها في ضغوط الحياة، تذكر الآمال التي سقطت في ســبيل غاية منوطة به قد تحققت، واستســلام­ه الراضي الــذي آن الوقت ليتخلي عنه، لم يعد هناك ما يُقنع بالاســتمر­ار في ذلك المسلســل الســمج، ربما تأخــر الوقت وربما كان حريا الانتظار، لكن الرجاء لا ينقطع، فالحبل الموصــول باللــه متين، امتدت يد لتربت على كتفه.

كان نشيجه قد أخذ في الخفوت، التفت وراءه فلم يجد أحداً، ســمع صوتا يألفه »ستكون بخير«.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia