Al-Watan (Saudi)

عن الحج بدون مقدمات

-

بدون مقدمات وبعيدا عن زحام الكلمات.. انتهى الحج ولم تنته المواقف المشرفة المعتادة والمتكررة كل موسم من المواطن السعودي كان عسكريا أو مدنيا متطوعا أو منتدبا بأجر، لقد فرحت كما فرح المسلمون بانقضاء موسم الحج ولله الحمد والمنة، بيسر وسهولة ونجاح لا يضاهيه شيء، وعشت عبر ما نقلته عدسات الحجيج جنديا يحمل مسنا، وشابا كشفيا يرشد حاجا، وإسعافا ينقل مريضا، وأميرا يسير على الأقدام من عرفة إلى مزدلفة للتأكد من أن كل شيء أمام ضيوف الرحمن على ما يرام، فهنيئا وشكرا لسيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين، ووزير الداخلية وأمير مكة ونائبه، وأصحاب المعالي الوزراء والقيادات الأمنية، وكل مشارك في تنظيم الحج.

في بلادي (السعودية) يأتي الحج والكل ينتظره بشغف.. الكل يريد أن يخدم ضيوف الرحمن ويحسن ضيافتهم.. الملك يقطع إجازته المعتادة ليشرف بنفسه على وصول الحجاج لمنى.. كل الوزارات تسخر أحدث إمكاناتها لتقديم كل ما يمكن لراحة الحاج -ضيف البلاد الميمون- تشغل وتدار منظومة ضخمة من الهيئات والإدارات والمؤسسات والوزارات من أجله.

في السعودية فقط ينتدب ما يقارب 300 ألف جندي وصحي وفني وتقني ومتطوع، ويحضر الملك وولي العهد، ويجند المواطنون أنفسهم طواعية، وتحضر الطائرات والحافلات والقطارات والسيارات، وتجهز الفنادق والقصور والمخيمات، وتعد أشهى المأكولات، وتفتح المستشفيات وتدخل الدولة في إجازة من أجل أن تتفرغ ليس لاستقبال رئيس دولة أو حدث سياسي يحضره كبار القادة، إنما كل هذا يحدث هنا في السعودية لاستقبال حجاج لا يعرفون عنهم إلا أنهم ضيوف للرب وقدموا عليه، لذلك يحدث كل هذا.

نحن في السعودية لا نتمنى أن نحج بقدر ما نتمنى أننا في خدمة الحجيج، لأنهم وفود الله تعالى، والله شرفنا بأن الكعبة قبلة المسلمين بأرضنا... فخدمتها شرف نفاخر به من القائد حتى المواطن.

ما يحدث في الحج من خدمات ونجاح هو نظير إخلاص كل من يعمل على ملفه، فكل عام ما إن يغادر آخر حاج إلى بلاده وتتوقف القنوات الناقلة عن الثناء والأخرى الحاقدة عن الهراء، حتى يبدأ في السعودية العمل والإعداد للعام الذي يليه، فلا راحة ولا ملل، رفع للتقارير، تحقق وتفحص، تحديد للسلبيات ورش عمل لمراجعة الخطط ولتطوير السبل لراحة أكبر ولحج قادم أفضل عمل متواصل ليس لأيام أو أسابيع أو شهور، بل لسنوات، وسيبقى بمشيئة الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

لقد شدتني مشاهد رجال الأمن والتعامل الراقي وإنسانيتهم السامية والعظيمة التي يتحدث عنها كل وافد إلى حرم ربه، ابتسامة وصبر ولطف، ضابط كبير يخفف على الحجاج وطأة الزحام بابتهالات قابلها الحجاج بردة فعل راضية، مرددين بعد كل دعاء »آمين«، وآخر يحمل مسنا بين يديه يطلبون منه أن يتركه خشية أن يتعب فيرد مقسما والابتسامة تشق وجنتيه »والله ما في تعب«، وحاج آخر من بلاد تعاني اضطرابات أمنية وقتلا وتشريدا يحتضن رجل أمن ويقبله ويقول له »ألا تأتون بلادنا«، وغيرها كثير، فرجل أمن يحمل علبة قد ملأها ماء يخفف عن الحجاج بها وطأة الحرارة وضربة الشمس، ومجموعة من الجنود في رأس موقف عرفة يمنعون الحجاج من التبرك بالحجار حتى لا يفسد حجهم، وآخرون يساعدون حجاجا في جمع حصى لرمي الجمرات، ناهيك عن حفظ أمن الحج وإدارة الحشود وتنظيم حركة أكثر من مليوني حاج في مكان محدود وحفظ سلامتهم ومراقبة ما قد يحدث، ومباشرة ما سيعكر صفو الحج لا سمح الله.. ورغم التعب والجهد الذي يبذلونه إلا أنهم يودعون الحجاج بروح مرحة ووجوه فرحة في منظر أخاذ ويغادر رجال الأمن المشاعر وهم ينشدون »كلنا سلمان بن عبدالعزيز« و»الله اللي عزنا ما لحد منّه.«

هكذا هم رجال الأمن في المملكة، خلف كل نجاح باهر رجل أمن، وللنجاح جنود مجهولون، إلا في المملكة له جنود حقيقيون هم رجال الأمن.

وختاما شكرا لكل ساهر على صحة الحجاج وراحتهم، وشكرا لتلك العدسات وأصحابها التي تنقل لنا الجهود العظيمة لحكومتنا الرشيدة ومواطنيها الكرام.

انتهى الحج هذا العام ونلتقي بكم يا ضيوف الرحمن العام القادم، ولا عزاء للحاقدين الناقمين، فالله أعلم أين يضع أمانته.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia